للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: وقد كان في العرب قبائل قد اعتادت أن يخلف ابن الرجل على امرأة أبيه. وكانت هذه السيرة في الأنصار لازمة، وكانت في قريش مباحة على التراضي، فنهى الله المؤمنين عما كان عليه آباؤهم من هذه السيرة» «١» .

وقوله وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ إلخ. معطوف على قوله: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وما في قوله ما نَكَحَ آباؤُكُمْ موصول اسمى مراد به الجنس. أى لا تنكحوا التي نكح آباؤكم. وقوله مِنَ النِّساءِ بيان ل ما الموصولة.

ويرى بعضهم أن «ما» هنا مصدرية فيكون المعنى. ولا تنكحوا نكاحا مثل نكاح آبائكم الفاسد الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية.

قال الآلوسى. وإنما خص هذا النكاح بالنهى، ولم ينظم في سلك نكاح المحرمات الآتية «مبالغة في الزجر عنه. حيث كان ذلك ديدنا لهم في الجاهلية» «٢» .

فالآية الكريمة تحرم على الأبناء أن يتزوجوا من النساء اللائي كن أزواجا لآبائهم.

وكلمة آباؤُكُمْ في قوله وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ تشمل كل الأصول من الرجال.

أى: تشمل الأجداد جميعا سواء أكانوا من جهة الأب أم من جهة الأم والاستثناء في قوله إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ استثناء منقطع.

والمعنى: لا تنكحوا أيها المؤمنون ما نكح آباؤكم من النساء. لأنه من أفعال الجاهلية القبيحة، أما ما قد سلف ومضى منه قبل نزول هذه الآية فلا تؤاخذون عليه، فمن كان متزوجا من امرأة كانت زوجة لأبيه من النسب أو من الرضاع، فإنها تصير حراما عليه من وقت نزول هذه الآية الكريمة، ويجب عليه أن يفارقها أما ما مضى من هذا النكاح القبيح فلا تثريب عليكم فيه، وتثبت به أحكام النكاح من النسب وغيره من الأحكام.

ويرى بعضهم أن الاستثناء هنا متصل مما يستلزمه النهى، ويستوجبه مباشرة المنهي عنه من العقاب. فكأنه قيل: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فإنه قبيح ومعاقب عليه من الله- تعالى-، إلا ما قد سلف ومضى، فإنه معفو عنه.

وقد وجه صاحب الكشاف الاستثناء بوجه آخر فقال: فإن قلت: كيف استثنى ما قد سلف مما نكح آباؤهم؟ قلت: كما استثنى «غير أن سيوفهم» من قول الشاعر:

«ولا عيب فيهم» غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب


(١) تفسير القرطبي ج ٥ ص ١٠٣ بتصرف وتلخيص.
(٢) تفسير الآلوسي ج ٤ ص ٢٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>