للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعنى: إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه، فإنه لا يحل لكم غيره، وذلك غير ممكن والغرض المبالغة في تحريمه، وسد الطريق إلى إباحته كما يعلق بالمحال في التأبيد نحو قولهم: حتى يبيض الفأر. وحتى يلج الجمل في سم الخياط «١» .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان أن هذا النوع من النكاح في نهاية السوء والقبح فقال: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا.

أى: إن هذا النوع من النكاح كان أمرا زائدا في القبح شرعا وخلقا، لأنه يشبه نكاح الأمهات، ويتنافى مع ما للآباء من وقار واحترام، وما يجب من حسن الصحبة وكان «مقتا» والمقت مصدر بمعنى البغض والكراهية.

أى: إن هذا النوع من النكاح كان خصلة بالغة الحد في القبح والفحش، وكان ممقوتا مبغوضا عند الله، وعند ذوى المروءات والعقول السليمة من الناس.

قال صاحب الكشاف: كانوا ينكحون روابهم- أى زوجات آبائهم جمع رابة وهي امرأة الأب- وكان ناس منهم من ذوى مروءاتهم يمقتونه- لفظاعته وبشاعته- ويسمونه نكاح المقت. وكان المولود عليه يقال له المقتى- أى المبغوض- ومن ثم قيل وَمَقْتاً كأنه قيل: هو فاحشة في دين الله بالغة في القبح. قبيح ممقوت في المروءة. ولا مزيد على ما يجمع القبحين «٢» .

وقوله وَساءَ سَبِيلًا أى بئس طريقا طريق ذلك النكاح، إذ فيه هتك حرمة الأب. وتقطيع للرحم التي أمر الله بوصلها.

وقوله «وساء» هنا بمعنى بئس، وفيه ضمير يفسره ما بعده. والمخصوص بالذم محذوف تقديره ذلك أى ساء سبيلا سبيل ذلك النكاح.

قال الفخر الرازي: اعلم أنه- سبحانه- قد وصف هذا النكاح بأمور ثلاثة:

أولها: أنه فاحشة لأن زوجة الأب تشبه الأم فمباشرتها من أفحش الفواحش.

وثانيها: المقت: وهو عبارة عن بغض مقرون باستحقار.

وثالثها: قوله وَساءَ سَبِيلًا.

واعلم أن مراتب القبح ثلاثة: القبح في العقول وفي الشرائع وفي العادات.

فقوله- تعالى- إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً إشارة إلى القبح العقلي. وقوله وَمَقْتاً إشارة إلى


(١) تفسير الآلوسى ج ٤ ص ٢٤٤.
(٢) الكشاف ج ١ ص ٤٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>