وقد تعلقوا مع هذا بعبارات رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح المتعة في غزوات ثم نسخها، وبأن ابن عباس كان يبيحها في الغزوات وهذا الاستدلال باطل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نسخها، فكان عليهم عند تعلقهم برواية مسلم أن يأخذوا بها جملة أو يتركوها، وجملتها تؤدى إلى النسخ لا إلى البقاء.
وإذا قالوا إننا نتفق معكم على الإباحة ونخالفكم في النسخ فنأخذ المجمع عليه ونترك غيره قلنا لهم: إن النصوص التي أثبتت الإباحة هي التي أثبتت النسخ، وما اتفقنا معكم على الإباحة لأننا نقرر نسخ الإباحة.
على أننا نقول: إن ترك النبي صلى الله عليه وسلم المتعة لهم قبل الأمر الجازم بالمنع، ليس من قبيل الإباحة، بل هو من قبيل الترك حتى تستأنس القلوب بالإيمان وتترك عادات الجاهلية، وقد كان شائعا بينهم اتخاذ الأخدان وهو ما نسميه اتخاذ الخلائل. وهذه هي متعتهم، فنهى القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم عنها. وإن الترك مدة لا يسمى إباحة وإنما يسمى عفوا حتى تخرج النفوس من جاهليتها، والذين يستبيحونها باقون على الجاهلية الأولى.
وابن عباس- رضى الله عنه- قد رجع عن فتواه بعد أن قال له إمام الهدى على بن أبى طالب: إنك امرؤ تائه، لقد نسخها النبي صلى الله عليه وسلم والله لا أوتى بمستمتعين إلا رجمتهما» «١» .
وبذلك نرى أن الآية الكريمة واردة في شأن النكاح الصحيح الذي يحقق الإحصان ولا يكون الزوج به مسافحا. وأن القول بأنها تدل على نكاح المتعة قول بعيد عن الحق والصواب للأسباب التي سبق ذكرها.
وبعد أن بين- سبحانه- المحرمات من النساء، وبين من يحل نكاحه منهن، عقب ذلك ببيان ما ينبغي أن يفعله من لا يستطيع نكاح المحصنات المؤمنات فقال- تعالى-:
(١) تفسير الآية الكريمة لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة. مجلة لواء الإسلام العدد الرابع من السنة الرابعة عشرة. [.....]