٦- ظاهر قوله- تعالى- فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا يفيد أن التيمم لا يصح مع وجود الماء، لأن الآية الكريمة قد رتبت الأمر بالتيمم على نفى وجود الماء.
ولكن هذا الظاهر غير مراد، لأنه يقتضى أنه حتى لو وجدنا ماء، وكنا في حاجة شديدة إليه، أو لا نقدر على استعماله فإنه لا يجوز لنا أن نتيمم، وهذا يتعارض مع سماحه الشريعة الإسلامية ويسرها، قال- تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وقال- تعالى-: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.
ويتعارض كذلك مع ما شرع من أجله التيمم وهو التيسير على الناس، والتيسير على الناس لا يتأتى بإلزامهم أن يفقدوا ما معهم من الماء في الطهارة ليقعوا في العنت بسبب العطش أو الجوع. أو بإلزامهم استعمال الماء في طهارتهم مع أن في استعماله مضرة بهم.
لذا قال العلماء: إن التيمم مشروع للمسلم عند فقده للماء، أو عند وجود الماء ولكن هناك عارض يمنعه من استعماله كمرض أو نحوه.
ولقد ورد في السنة النبوية الشريفة ما يشهد بأنه يجوز للمسلم أن يتيمم مع وجود الماء متى كان هناك ما يمنع من استعماله.
ومن ذلك ما أخرجه أبو داود والدارقطني عن جابر قال: خرجنا في سفر. فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه. ثم احتلم فسأل أصحابه فقال هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا:
ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل فمات. فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: قتلوه، قتلهم الله، هلا سألوا إذا لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال. إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده» .
وروى أبو داود والدارقطني عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك. فتيممت. ثم صليت بأصحابى الصبح. فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:«يا عمرو صليت بأصحابى وأنت جنب» ؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إنى سمعت الله يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا» .
قال القرطبي- بعد أن ساق هذا الحديث والذي قبله-: فدل هذا الحديث على إباحة التيمم مع الخوف من المرض- عند استعمال الماء-: وفيه إطلاق اسم الجنب على المتيمم، وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين. وهذا أحد القولين عندنا. وهو الصحيح الذي أقره مالك في موطئه وقرئ عليه إلى أن مات «١» .