للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيكون المعنى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً أى نمحو تخطيط صورها من عين وأنف وفم وحاجب فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أى فنجعلها على هيئة أدبارها وهي الأقفاء بحيث تكون الوجوه مطموسة مثل الأقفاء. وإلى هذا المعنى ذهب ابن عباس وقتادة وغيرهما.

قال الإمام الرازي: وهذا المعنى إنما جعله الله عقوبة لما فيه من التشويه في الخلقة والمثلة والفضيحة لأن عند ذلك يعظم الغم والحسرة....» «١» .

ومن المفسرين الذين رجحوا حمل اللفظ على حقيقته الإمام ابن جرير لقد قال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب» قول من قال: معنى قوله مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً من قبل أن نطمس أبصارها، ونمحو آثارها، فنسويها كالأقفاء. فنردها على أدبارها، فنجعل أبصارها في أدبارها، يعنى بذلك: فنجعل الوجوه في أدبار الوجوه. فيكون معناه: فنحول الوجوه أقفاء، والأقفاء وجوها، فيمشوا القهقرى، كما قال ابن عباس ومن قال بذلك» «٢» .

وأصحاب هذا الاتجاه منهم من يرى أن هذه العقوبة تكون في آخر الزمان ومنهم من يرى هذه العقوبة تكون في الآخرة. ومنهم من قال بأن هذه العقوبة مقيدة بعدم إيمان أحد منهم، وقد آمن بعضهم كعبد الله بن سلام وغيره وأما الاتجاه الثاني فيرى أصحابه حمل اللفظ على مجازه، بمعنى أن المراد بالطمس الطمس المعنوي.

فيكون المعنى: آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن تقسو قلوبكم، ونطبع عليها بسبب تمسكها بالضلال، وتماديها في العناد.

قال ابن كثير مؤيدا هذا الاتجاه: هذا مثل ضربه الله لهم في صرفهم عن الحق وردهم، إلى الباطل، ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سبيل الضلال يهرعون ويمشون القهقرى على أدبارهم. وهذا كما قال بعضهم في قوله- تعالى- وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا أى هذا مثل سوء ضربه الله لهم في ضلالهم ومنعهم عن الهدى.

قال مجاهد: من قبل أن نطمس وجوها أى عن صراط الحق: فنردها على أدبارها أى في الضلال. وقال السدى: معناه: فنعميها عن الحق ونرجعها كفارا ... «٣» .


(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٠ ص ١٢١ طبعة عبد الرحمن محمد.
(٢) تفسير ابن جرير ج ٥ ص ١٢٣ طبعة الحلبي.
(٣) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>