للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الكفر بعد الإيمان بسبب أقوالهم الأثيمة، وأعمالهم القبيحة.

وقوله أَرْكَسَهُمْ من الركس وهو رد أول الشيء على آخره. يقال: ركس الشيء يركسه ركسا إذا قلبه على رأسه. والركس والنكس بمعنى واحد.

والاستفهام في قوله أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ للإنكار على من أحسن الظن بأولئك المنافقين.

أى: أتريدون أيها المؤمنون الذين أحسنتم الظن بهؤلاء المنافقين أن تعدوهم من جملة المهتدين، مع أن الله- تعالى- قد خلق فيهم الضلال، لأنهم قد استحبوا العمى على الهدى، وآثروا الغي على الرشد.

وقوله وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا أى: ومن يكتب الله عليه الضلالة، فلن تجد أحدا يهديه ويرشده، لأن قضاء الله لا يتبدل، وقدره لا يتخلف.

وقوله- تعالى- وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً كلام مستأنف مسوق لبيان غلوهم وتماديهم في الكفر وتصديهم لإضلال غيرهم إثر بيان كفرهم وضلالهم في أنفسهم.

أى: أن هؤلاء المنافقين الذين يحسن الظن بهم بعضكم- أيها المؤمنون- لا يكتفون بكفرهم في أنفسهم بل هم يتمنون ويودون كفركم مثلهم بحيث تكونون أنتم وهم متساوين في الكفر والنفاق، وإذا كان هذا هو حالهم فكيف تطمعون في إيمانهم؟ وكيف تحسنون الظن بهم؟

ولَوْ في قوله وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ مصدرية. أى تمنوا كفركم. وقوله كَما كَفَرُوا نعت لمصدر محذوف: أى تمنوا أن تكفروا كفرا مثل كفرهم.

وقوله فَتَكُونُونَ سَواءً معطوف على قوله لَوْ تَكْفُرُونَ ومفرع عليه. أى: ودوا لو تكفرون فتكونون مستوين معهم في الضلال والكفر والنفاق.

وما أبلغ التعبير في جانب محاولة المؤمنين بالإرادة في قوله أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وفي جانب محاولة المنافقين بالود لأن الإرادة ينشأ عنها الفعل. فالمؤمنون يستقربون حصول الإيمان من المنافقين، لأن الإيمان قريب من فطرة الناس وعقولهم. والمنافقون يعلمون أن المؤمنين لا يرتدون عن دينهم، ويرونهم متمسكين به غاية التمسك، فلم يكن طلبهم تكفير المؤمنين إلا كلون من التمني الذي لا أمل في تحققه، فعبر عنه بالود المجرد، أى ودوا ذلك ولكنه ود بعيد التحقق.

وقوله فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ نهى من الله- تعالى- للمؤمنين عن موالاة المنافقين حتى يصدر منهم ما يدل على إقلاعهم عن النفاق والضلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>