للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينكم وبينهم ميثاق، فعلى قاتله دية مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ من أهل الإسلام إن وجدوا، ولا تدفع إلى ذوى قرابته من الكفار وإن كانوا معاهدين، إذ لا يرث الكافر المؤمن.

ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، لأنه لو كان المراد بالمقتول خطأ هنا القتيل المسلم لكان مكررا ولما كان هناك معنى لإفراده إذ حكمه يكون داخلا في قوله- تعالى- في صدر الآية «ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله» . فلما أفرده- سبحانه- بالذكر علمنا أن المقصود بالقتيل هنا من قتل خطأ من قوم كفار بيننا وبينهم ميثاق سواء أكان المقتول على ديننا أم على دينهم.

وقد ذكر صاحب الكشاف هذا الوجه ولم يذكر سواه فقال: وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ- أى:

وإن كان المقتول من قوم- كفرة لهم ذمة كالمشركين الذين عاهدوا المسلمين وأهل الذمة من الكتابيين فحكمه حكم مسلم من مسلمين» «١» . ومن العلماء أيضا من يرى أن دية المسلم والكافر سواء ومنهم من يرى غير ذلك.

وقد أشار الإمام ابن كثير إلى هذين الرأيين بقوله: قوله- تعالى- وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ. الآية، أى: فإن كان القتيل أولياؤه أهل ذمة أو هدنة فلهم دية قتيلهم. فإن كان مؤمنا فدية كاملة وكذا إن كان كافرا أيضا عند طائفة من العلماء. وقيل يجب في الكافر نصف دية المسلم وقيل ثلثها كما هو مفصل في كتب الأحكام «٢» .

ثم يبين- سبحانه- الحكم عند عدم استطاعة إعتاق الرقبة فقال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.

أى: فمن لم يجد رقبه مؤمنة يعتقها فعليه في هذه الحالة صيام شهرين متواصلين في أيامهما، لا يفرق بينهم فطر، بحيث لو أفطر يوما فيها استأنف من جديد ابتداء الشهرين، إلا أن يكون الفطر بسبب حيض أو نفاس أو مرض يتعذر معه الصوم.

وقوله- تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ مفعول لأجله والتقدير: أى شرع الله لكم ذلك توبة منه أى قبولا لها ورحمة بكم. من: تاب الله على فلان إذا قبل توبته.

وهذه التوبة ليست من إثم القتل الخطأ، لأن الإثم مرفوع عن المخطئ كما في الحديث الشريف «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .

وإنما التوبة هنا من التقصير وقلة التثبت والتحقق، ولكي يكون المسلم يعد ذلك متذكرا


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٥٥٠. [.....]
(٢) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>