والمراد بقوله إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا أى: إلا أن يتبرع بها أولياء المقتول على سبيل العفو والصفح.
وعبر عن ذلك بقوله يَصَّدَّقُوا للإشارة إلى أن تبرعهم هذا مرغوب فيه وأنه بمنزلة الصدقة التي لهم ثوابها الجزيل عند الله- تعالى- لا سيما إذا كان أولياء القاتل وعصبته يشق عليهم أداؤها فيتركها أولياء القتيل رأفة بأولياء القاتل وشفقة عليهم، وفي الحديث الشريف كل معروف صدقة.
ثم بين- سبحانه- حكم القتل الخطأ لمؤمن ينتمى إلى الأعداء فقال فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.
أى: فإن كان المقتول خطأ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ أى محاربين لكم، وَهُوَ مُؤْمِنٌ أى وكان المقتول مؤمنا ولم يعلم به القاتل، لكونه بين أظهر قومه الكفار ولم يفارقهم، أو أتاهم بعد أن فارقهم لأمر من الأمور، فعلى القاتل في هذه الحالة تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ كفارة عن هذا القتل الخطأ، وليس عليه دية، لأن أولياء القتيل من الكفار ولا توارث بين المؤمن والكفار، ولأن دفع الدية إليهم يؤدى إلى تقويتهم علينا ومن غير المعقول أن ندفع لأعدائنا ما يتقوون به علينا.
روى الحاكم وغيره عن ابن عباس قال: كان الرجل يأتى النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه وهم مشركون. فيصيبه المسلمون في سرية أو غزوة. فيعتق الذي يصيبه رقبة.
ثم بين- سبحانه- حكم القتل الخطأ إذا كان المقتول من قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق فقال- تعالى-: وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.
أى: وإن كان المقتول خطأ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أى: من قوم بينكم وبينهم- أيها المؤمنون- عهد من هدنة أو أمان وهم على دينهم وأنتم على دينكم، فعلى القاتل في هذه الحالة دية تدفعها عاقلته إلى أهل القتيل، لأن حكمهم كحكم المسلمين، وعليه كذلك تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ لتكون كفارة له عند الله، وقدم الدية هنا على تحرير الرقبة على العكس مما جاء في صدر الآية، للإشعار بوجوب المسارعة إلى تسليم الدية حتى لا يتردد القاتل في دفعها إلى غير المسلمين الذين بينهم وبين المسلمين عهد يمنع عدم الاعتداء.
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد جعل الحكم في قتل المعاهد كالحكم في قتل المسلم من الدية وتحرير الرقبة، وبعضهم يرى أن المراد بالمقتول خطأ هنا المسلم الذي هو في قوم معاهدين وأن الدية لا تدفع لهؤلاء القوم فيكون معنى الآية: وإن كان أى المقتول المؤمن مِنْ قَوْمٍ كفار