للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتبين والتثبت في القتل واجب حضرا وسفرا. وإنما خص السفر بالذكر لأن الحادثة التي نزلت فيها الآية وقعت في السفر.

وقوله وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً أى: تأكدوا- أيها المؤمنون- وتثبتوا في كل أحكامكم وأفعالكم، ولا تقولوا لمن أظهر الانقياد لدعوتكم ودينكم فنطق بالشهادتين أو حياكم بتحية الإسلام. لا تقولوا له لست مؤمنا حقا وإنما قلت ما قلت بلسانك فقط لتأمن القتل. بل الواجب عليكم أن تقبلوا منه ما أظهره وعاملوه بموجبه فإن علم السرائر والبواطن إنما هو لله- تعالى- وحده.

وجملة لَسْتَ مُؤْمِناً مقول لقوله لا تَقُولُوا: أى لا تنفوا عنه الإيمان وهو يظهره أمامكم وفي هذا من الفقه- كما يقول القرطبي- باب عظيم، وهو أن الأحكام تناط بالمظان والظواهر لا على القطع واطلاع السرائر.

ولقد كان عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- ينهى عن قتل من أعلن الاستسلام ويحذر من يقتله بأنه سيقتله به، وقد أرسل بذلك إلى قواد جيوشه لأن الذين يقتلون من يطلب الأمان طمعا في ماله لا يكون جهادهم خالصا لله، ولا تكون أعمالهم محل رضا الله- تعالى- ولذا قال- سبحانه-:

تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ. والابتغاء: الطلب الشديد والرغبة الملحة.

وعرض الحياة الدنيا: جميع متاعها وأموالها. وسمى متاع الدنيا عرضا، لأنه مهما كثر فهو زائل غير دائم، وعارض غير باق.

قال الراغب: والعرض- بفتح الراء والعين- مالا يكون له ثبات. ومنه استعار المتكلمون العرض لما لا ثبات له إلا بالجوهر. وقيل: الدنيا عرض حاضر تنبيها على أنه لا ثبات لها «١» ، والمغانم: جمع مغنم ويطلق على ما يؤخذ من مال العدو، من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول.

والمعنى: تثبتوا- أيها المؤمنون- في كل أقوالكم وأعمالكم، ولا تتعجلوا في أحكامكم، ولا تقولوا لمن حياكم بتحية الإسلام أو نطق بالشهادتين لست مؤمنا، وإنما فعلت ذلك تقية ثم تقتلونه. مبتغين من وراء قتله متاع الدنيا الزائل، وعرضها الفاني، إن هذا المسلك يتنافى مع الإيمان الصادق والجهاد الخالص. ومن كان منكم يريد متاع الدنيا فليطلبه من الله وحده- فإن


(١) مفردات القرآن للراغب الأصفهاني ص ٣٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>