للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خزائنه لا تنفد، وعطاءه لا يحد- ولا يطلبه عن طريق الاعتداء على من أظهر الإسلام أو التمس منكم الأمان.

وقوله تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا حال من فاعل لا تَقُولُوا لكن لا على أن يكون النهى راجعا للقيد فقط كما في قولك: لا تطلب العلم تبتغى به الجاه والتفاخر، بل على أنه راجع إليهما جميعا. أى: لا تقولوا له ذلك ولا تبتغوا العرض الفاني.

فالمقصود بهذه الجملة الكريمة توبيخهم على حرصهم على متاع الدنيا بطريقة لا تتناسب مع الإيمان الكامل، ومع الهدف الذي خرجوا من أجله: وهو إعلاء كلمة الله تعالى- وضم أكبر عدد من الناس إلى دعوة الحق التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ تعليل للنهى عن ابتغاء عرض الحياة الدنيا بهذا الأسلوب فكأنه قال: لا تعودوا إلى ما فعلتموه من قتل من ألقى إليكم السلام طلبا لما له، فإن الله- تعالى- عنده مغانم كثيرة، وفي مقدوره أن يغنيكم من فضله فالجأوا إلى جنابه وحده، وخصوه بالسؤال، وأخلصوا له العمل.

وقوله كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا تعليل للنهى عما قالوه وما فعلوه.

أى: أنتم- أيها المؤمنون- كنتم من قبل مثل ذلك الذي ألقى إليكم السلام، فقد كنتم في أول إسلامكم لا يظهر منكم للناس غير ما ظهر منه لكم من النطق بالشهادتين وتبادل تحية الإسلام، فمن الله عليكم بأن قبل منكم تلك المرتبة وعصم بها دماءكم وأموالكم ولم يأمر بالتفحص عن سرائركم.

وإلى هذا المعنى اتجه صاحب الكشاف فقد قال: قوله كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ أول ما دخلتم في الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة فحصنت من دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم بالاستقامة والاشتهار بالإيمان فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل بكم، وأن تعتبروا ظاهر الإسلام في المكانة، ولا تقولوا إن تهليل هذا لاتقاء القتل لا لصدق النية، فتجعلوه سبيلا إلى استباحة دمه وماله وقد حرمهما الله «١» .

فاسم الإشارة راجع إلى من في قوله: لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ.

ويجوز أن يكون اسم الإشارة راجعا إلى الحالة التي كانوا عليها في ابتداء إسلامهم. أى كحال هذا الذي يسر إيمانه ويخفيه عن قومه كنتم من قبل.


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٥٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>