للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رجح هذا المعنى ابن جرير فقال ما ملخصه: قوله كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ أى كذلك كنتم تخفون إيمانكم في وقومكم من المشركين، وأنتم مقيمون بين أظهرهم، كما كان هذا الذي قتلتموه مقيما بين أظهر قومه من المشركين مستخفيا بدينه منهم فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أى: فرفع منكم ما كنتم فيه من الخوف من أعدائكم بإظهار دينه وإعزاز أهله، حتى أمكنكم إظهار ما كنتم تستخفون به من توحيده وعبادته ... «١» .

والذي يبدو لنا أن الآية الكريمة تتسع لهذين التفسيرين، إلا أن التفسير الأول الذي جرى عليه صاحب الكشاف أشمل وأنسب لسياق الآية لأن المقصد الرئيسى الذي تدعو إليه الآية الكريمة هو نهى المؤمنين عن سوء الظن بمن أظهر الإسلام وعن الاعتداء عليه. وأمرهم بان يعاملوا الناس بظواهرهم أما بواطنهم فأمرها إلى الله وحده.

والفاء في قوله فَتَبَيَّنُوا فصيحة. أى: إذا كان الأمر كذلك فتبينوا نعمة الله عليكم وداوموا على شكرها، وقيسوا أحوال غيركم بما سبق من أحوالكم، واقبلوا ظواهر الناس بدون فحص عن بواطنهم، ولا تصدروا أحكامكم عليهم إلا بعد التثبت والتأكد من صحتها ولا تشهروا سيوفكم في وجوههم إلا بعد التأكد من كفرهم وعدوانهم.

وقوله: إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً تذييل قصد به تحذيرهم من مخالفة أمره.

أى: إن الله مطلع على دقيق الأمور وجليلها، خبير بما تسره نفوسكم وما تعلنه، لا يخفى عليه شيء من ظواهركم وبواطنكم، وسيحاسبكم على كل ذلك، وسيجازيكم بما تستحقون من خير أو شر.

هذا وقد أخذ العلماء من هذه الآية أن الكافر إذا نطق بالشهادتين حرم قتله لأنه قد اعتصم بعصام الإسلام المانع من إهدار دمه وماله وأهله.

كما أخذوا منها وجوب التثبت في الأحكام وفي الأقوال. وأخذ الناس بظواهرهم حتى يثبت خلاف ذلك.

قال الفخر الرازي: اعلم أن المقصود من هذه الآية المبالغة في تحريم قتل المؤمنين. وأمر المجاهدين بالتثبت فيه، لئلا يسفكوا دما حراما بتأويل ضعيف «٢» .

وقال بعض العلماء: وقد دلت الآية على حكمة عظيمة في حفظ الجامعة الدينية، وهي بث الثقة والأمان بين أفراد الأمة وطرح ما من شأنه إدخال الشك لأنه إذا فتح هذا الباب عسر


(١) تفسير الطبري ج ٥ ص ٢٢٦.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١١ ص ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>