للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدرها. وَكُلًّا أى: كل واحد من الفريقين المجاهدين والقاعدين (وعد الله الحسنى) . وقوله وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ عطف على ما قبله أَجْراً عَظِيماً.

ثم قال: ولعل تكرير التفضيل بطريق العطف المنبئ عن المغايرة. وتقييده تارة بدرجة وتارة بدرجات مع اتحاد المفضل والمفضل عليه. إما لتنزيل الاختلاف العنواني بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات منزلة الاختلاف الذاتي تمهيدا لسلوك طريق الإبهام ثم التفسير ... وإما للاختلاف بالذات بين التفضيلين والدرجة والدرجات «١» .

وقد حكى الإمام القرطبي هذين الوجهين فقال: قوله- تعالى- فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وقد قال بعد هذا: دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً فقال قوم: التفضيل بالدرجة ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وبيان وتأكيد.

وقيل: فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولى الضرر بدرجة واحدة. وفضل الله المجاهدين على القاعدين من غير عذر درجات «٢» .

والذي نراه أولى من هذين القولين قول من قال بأن الله- تعالى- فضل المجاهدين على القاعدين بعذر بدرجة، وفضل المجاهدين على القاعدين بغير عذر بدرجات، وذلك لأن هذا التفسير هو المأثور عن ابن عباس وغيره من الصحابة. فقد قال ابن عباس في قوله- تعالى- فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً أراد بالقاعدين هنا أولى الضرر «٣» ولأن القاعدين بعذر وإن كان لهم من حسن النية ما يرفع منزلتهم إلا أن المجاهدين الذين باشروا الجهاد وعرضوا أنفسهم لأخطار القتال يفوقونهم منزلة وأجرا.

وهذا ما يقتضيه منطق العقول البشرية، أما عطاء الله بعد ذلك لكل فريق فمرجعه إليه وحده على حسب ما تقتضيه حكمته وسعة رحمته.

هذا، وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة أن الجهاد من أفضل الأعمال وأن المجاهدين لهم عند الله- تعالى- منازل عالية. ومن الأحاديث التي وردت في هذا المعنى ما أخرجه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله. بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة ومنه تتفجر أنهار الجنة» .


(١) تفسير الآلوسي ج ٥ ص ١٢٣
(٢) تفسير القرطبي ج ٥ ص ٢٤٤
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٤١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>