وروى البخاري عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن ما كان بمنى ركعتين.
وروى البخاري عن أنس قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة. فكان يصلى ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة.
وروى مسلم وأحمد وأهل السنن عن يعلى بن أمية قال: سألت عمر بن الخطاب. قلت له:
قوله- تعالى-: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا. وقد أمن الناس؟ فقال لي عمر: عجبت مما عجبت منه. فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» .
وروى أبو بكر بن أبى شيبة عن أبى حنظلة الحذاء قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر؟
فقال: ركعتان، فقلت له: أين قوله، إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ونحن آمنون؟
فقال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم «١» .
فأنت ترى من هذه النصوص أنها تدل على أن الآية الكريمة مسوقة في تشريع صلاة السفر سواء أكان المسافر آمنا أم خائفا، وأن قوله- تعالى- أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ المراد من القصر هنا قصر عدد الركعات من أربع إلى اثنين كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره، وأن القصر للصلاة في السفر بالنظر لما كانت عليه في الحضر.
قالوا: ومما يدل على أن لفظ القصر كان مخصوصا في عرفهم بنقص عدد الركعات، ما رواه البخاري عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «انصرف من اثنتين- أى صلى الصلاة الرباعية ركعتين عن سهو- فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ ....
هذا ويرى بعض العلماء أن هذه الآية نزلت في صلاة الخوف، وأن المقصود بالقصر هنا هو قصر الكيفية لا الكمية- أى تخفيف ما اشتملت عليه من قراءة وتسبيح وغير ذلك- لأنهم يرون أن كمية صلاة المسافر ركعتان فهي تمام غير قصر.
قال ابن كثير ما ملخصه: ومن العلماء من قال: إن المراد من القصر هاهنا إنما هو قصر الكيفية لا الكمية وهو قول مجاهد والضحاك والسدى واعتقدوا بما رواه الإمام مالك عن عائشة أنها قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في السفر والحضر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر.
قالوا: فإذا كان أصل الصلاة في السفر هي اثنتين فكيف يكون المراد بالقصر هنا قصر
(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٤٤.