للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكمية. لأن ما هو الأصل لا يقال فيه فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ. وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة عن عمر- رضى الله عنه- قال: صلاة السفر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم «١» » .

وقال القرطبي: وذهب جماعة إلى أن هذه الآية إنما هي مبيحة للقصر في السفر للخائف من العدو فمن كان آمنا فلا قصر له. روى عن عائشة أنها كانت تقول في السفر: أتموا صلاتكم.

فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر. فقالت: إنه كان في حرب وكان يخاف وهل أنتم تخافون؟ ...

وذهب جماعة إلى أن الله- تعالى- لم يبح القصر في كتابه إلا بشرطين: السفر والخوف وفي غير الخوف بالسنة «٢» .

ويبدو لنا أن الأولى ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن الآية الكريمة المقصود منها تشريع صلاة السفر وأن المراد بالقصر فيها قصر كمية الصلاة بحيث يصلى المسافر الصلاة الرباعية ركعتين تخفيفا من الله- تعالى- عليه، سواء أكان في حالة أمن أم حالة خوف، لأن النصوص التي ساقها الجمهور لتأييد رأيهم صريحة في صحة ما ذهبوا إليه، ولأن القصر في اللغة معناه أن تقتصر من الشيء على بعضه، وهذا أظهر ما يكون في قصر الركعات على اثنين بدل أربع، أما القصر في الصفة أو الكيفية فهو تغيير في الصلاة لا إتيان بالبعض، إذ هو إحلال للإيماء محل الركوع والسجود- مثلا-. وأيضا فإن مِنَ في قوله أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ تكون أظهر في الاقتصار على بعض الركعات عند من يجعل هذا الحرف للتبعيض.

ومن أراد مزيد بيان لتلك المسائل فليرجع إلى أمهات كتب الفقه والتفسير.

ثم شرع- سبحانه- في بيان صفة صلاة الخوف في جماعة فقال- تعالى- وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ، وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ.

والمعنى: وإذا كنت يا محمد في أصحابك وشهدت معهم القتال «فأقمت لهم الصلاة» أى:

فأردت أن تقيم لهم الصلاة في جماعة لتزدادوا أجرا ورعاية من الله وأنتم تقاتلون أعداءه،


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٤٥
(٢) تفسير القرطبي ج ٥ ص ٣٦٢

<<  <  ج: ص:  >  >>