فعليك في هذه الحالة أن تقسم أصحابك إلى قسمين، ثم بعد ذلك فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ أى فلتقم جماعة من أصحابك معك في الصلاة، أما الطائفة الأخرى فلتكن بإزاء العدو ليحرسوكم منهم.
والضمير في قوله وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ يعود إلى الرجال الذين معه في الصلاة ... أى:
ولتأخذ الطائفة القائمة معك في الصلاة أسلحتها معها وهي في الصلاة حتى تكون على أهبة القتال دائما.
وقوله فَإِذا سَجَدُوا أى: الرجال القائمون معك في الصلاة سجدوا في الركعة الأولى وأتموا الركعة فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ أى: فلينصرفوا بعد ذلك من صلاتهم ليكونوا في مقابلة العدو للحراسة. فالضمير في الكل يعود إلى المصلين معه.
وقيل المعنى: فإذا سجد الرجال الذين قاموا معك للصلاة، فليكن الرجال الآخرون الذين ليسوا في الصلاة من ورائكم لحماية ظهوركم، ولمنع نزول الأذى بكم من أعدائكم. وعلييه فيكون الضمير في قوله فَلْيَكُونُوا يعود إلى الطائفة الثانية التي ليست في الصلاة.
وقوله: وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ بيان لما يجب أن تفعله الطائفة الأخرى التي لم تدخل في الصلاة بعد. أى: فإذا ما انصرفت الطائفة الأولى للحراسة فلتأت الطائفة التي كانت قبل ذلك في الحراسة والتي لم تصل بعد فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ الركعة الأولى وأنت يا محمد في الركعة الثانية. وعليهم أيضا أن يكونوا كمن سبقهم حاملين لأسلحتهم التي لا تشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر وما يشبه ذلك، حتى إذا ما باغتكم المشركون بالهجوم كنتم دائما على استعداد لمواجهتهم، وكنتم دائما على يقظة من مكرهم.
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد أمر المؤمنين بالمحافظة على الصلاة حتى في حالة الحرب، وأمرهم في الوقت ذاته بأن يكونوا يقظين آخذين حذرهم وأسلحتهم من مباغتة أعدائهم لهم حتى لا يتوهم أولئك الأعداء أن الصلاة ستشغل المؤمنين عن الدفاع عن أنفسهم.
وقوله وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ استعمل لفظ الأخذ فيه في الحقيقة والمجاز. لأن أخذ الحذر كناية عن شدة اليقظة ودوام الترقب. وأخذ الأسلحة حقيقة في حملها للدفاع بها عن النفس. «١»
وقدم- سبحانه- الأمر بأخذ الحذر على أخذ الأسلحة لأن أخذ الأسلحة نوع من الحذر،
(١) راجع تفسير القرطبي ج ٥ ص ٣٥١ وما بعدها. وتفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٤٤ وما بعدها.