للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأن الحذر عند انتقال الصفوف وتحركها واجب حتى لا يباغتهم الأعداء وهم يتحولون من مكان إلى مكان، وهذا أشبه بتغيير الخطط وقت القتال، وهو أمر له خطورته فوجب أن تشتد يقظة المسلمين حينئذ.

وإلى هذا المعنى أشار بعضهم بقوله: فإن قلت لم ذكر في أول الآية الأسلحة فقط، وذكر هنا الحذر والأسلحة؟ قلت: لأن العدو قلما يتنبه للمسلمين في أول الصلاة بل يظنون كونهم قائمين في المحاربة والمقاتلة. فإذا قاموا إلى الركعة الثانية ظهر للكفار أن المسلمين في الصلاة، فحينئذ ينتهزون الفرصة في الإقدام على المسلمين فلا جرم أن الله- تعالى- أمرهم في هذا الموضع بزيادة الحذر من الكفار مع أخذ الأسلحة «١» .

وقوله- تعالى- وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً بيان لما من أجله أمروا بأخذ الحذر والسلاح. والخطاب لجميع المؤمنين.

وقوله وَدَّ من الود وهو محبة الشيء وتمنى حصوله.

والأسلحة: جمع سلاح. وهو اسم جنس لآلات الحرب التي يستعملها الناس في حروبهم وقتالهم.

والأمتعة: جمع متاع. وهو كل ما ينتفع به من عروض وأثاث. والمراد به هنا: ما يكون مع المحاربين من أشياء لا غنى لهم عنها كبعض ملابسهم وأطعمتهم ومعداتهم.

ولَوْ في قوله لَوْ تَغْفُلُونَ مصدرية. وقوله مَيْلَةً منصوب على المفعول المطلق لبيان العدد.

والمعنى: كونوا دائما- أيها المؤمنون- في أقصى درجات التنبه والتيقظ والحذر، فإن أعداءكم الكافرين يودون ويحبون غفلتكم وعدم انتباهكم عن أسلحتكم وأمتعتكم التي تستعملونها في قتالكم لهم، وفي هذه الحالة يحملون عليكم حملة واحدة قوية شديدة ليقتلوا منكم من يستطيعون قتله. فعليكم- أيها المؤمنون- أن تجمعوا بين الصلاة والجهاد جمعا مناسبا حكيما بحيث لا يشغلكم أحد الأمرين عن الآخر أو عن حسن الاستعداد لمجابهة أعدائكم الذين يتربصون بكم الدوائر.

فالآية الكريمة من مطلعها إلى هنا تراها تأمر بشدة وتكرار بأخذ الحذر وحمل السلاح لمجابهة أى مباغتة من المشركين. ومع هذا فقد رخص الله- تعالى- للمؤمنين بوضع السلاح في أحوال معينة دون أن يرخص لهم في أخذ الحذر فقال- تعالى- وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ.


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٤٢٠- نقلا عن الخازن-

<<  <  ج: ص:  >  >>