للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم وبخ- سبحانه- أولئك الذين دافعوا عن الخائنين وجادلوا عنهم بالباطل فقال:

ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا.

أى: ها أنتم أيها المدافعون عن الخائنين كطعمة وأمثاله قد جادلتم عنهم في الدنيا مبرئين إياهم من الخيانة بدون حق، فمن ذا الذي يستطيع منكم أن يدافع عنهم أمام الله يوم القيامة، بل من يكون عليهم يومئذ وكيلا. أى: قائما بتدبير أمورهم، ومدافعا عنهم؟ لا شك أنه لن يكون هناك أحد يدافع عنهم يوم القيامة لأن كل إنسان سيجازى بعمله، ولن ينفعه دفاع المدافعين، أو جدال المجادلين.

وقوله ها

حرف تنبيه. أى تنبيه المخاطبين على خطئهم في المجادلة عن السارق، وقوله أَنْتُمْ

مبتدأ. وقوله هؤُلاءِ

منادى بحرف نداء محذوف مبنى على الكسر في محل نصب.

وجملة جادَلْتُمْ عَنْهُمْ

. خبر المبتدأ. وبعضهم أعرب هؤلاء خبر أول. وجعل جملة جادلتم خبرا ثانيا.

وقوله جادَلْتُمْ

من الجدل بمعنى الفتل ومنه رجل مجدول الفتل أى قوى البنية فالجدال معناه تقوية الحجة التي يدافع بها الإنسان عن نفسه أو عن غيره. وقيل إن الجدال مأخوذ من الجدالة وهي وجه الأرض. فكأن كل واحد من الخصمين يكون كالمصارع الذي يريد أن يلقى صاحبه عليها. ومنه قولهم: تركته مجدلا أى مطروحا على الأرض.

وأَمْ

في قوله أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا

منقطعة للإضراب الانتقالى.

والاستفهام إنكارى بمعنى النفي في الموضعين. أى لا أحد يجادل عنهم أمام الله- تعالى- ولا أحد يستطيع أن يقوم بتدبير أمورهم يوم القيامة.

ثم فتح- سبحانه- بعد هذا التوبيخ الشديد للخائنين- باب التوبة لعباده فقال: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً

أى: ومن يعمل عملا سيئا يؤذى به غيره كما فعل طعمة باليهودي، أو يظلم نفسه بارتكاب الفواحش، التي يعود معظم ضررها على نفسه كشرب الخمر، وترك فرائض الله التي فرضها على عباده ثم بعد كل ذلك يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ

بأن يتوب إليه توبة صادقة نصوحا «يجد الله» بفضله وكرمه غَفُوراً رَحِيماً

أى كثير الغفران لعباده التائبين، واسع الرحمة إليهم.

فالمراد بعمل السوء هنا- على أرجح الأقوال- العمل السيئ الذي يكون فيه أذى للغير كالقذف والشتم والسب وما يشبه ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>