للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد بظلم النفس: الأعمال السيئة التي يعود ضررها ابتداء على فاعلها نفسه كشرب الخمر، وترك الصلاة أو الصيام وما يشبه ذلك.

وإنما فسروا كل جملة بهذا التفسير المغاير للأخرى لوجود المقابلة بينهما.

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً

أى عملا قبيحا يسوء به غيره كما فعل طعمة بقتادة واليهودي أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ

بما يختص به كالحلف الكاذب. وقيل ومن يعمل سوءا من ذنب دون الشرك أو يظلم نفسه بالشرك. وهذا بعث لطعمة على الاستغفار والتوبة أو لقومه لما فرط منهم من نصرته والذب عنه «١» .

والتعبير «بثم» في قوله ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ

للإشارة إلى ما بين المعصية والاستغفار من تفاوت معنوي شاسع. إذ المعصية تؤدى بفاعلها إلى الخسران أما الاستغفار الذي تصحبه التوبة الصادقة فيؤدى إلى الفلاح والسعادة.

وقوله يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً

يفيد أن الله- تعالى- يستجيب لطلب الغفران من عبده متى تاب إليه وأناب، لأنه- سبحانه- قد وصف نفسه بأنه كثير المغفرة والرحمة لعباده، متى أقبلوا على طاعته بقلب سليم، ونية صادقة.

ثم بين- سبحانه- بأن الأفعال السيئة يعود ضررها على صاحبها وحده فقال- تعالى- وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.

والكسب كما يقول الراغب- ما يتحراه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظ، ككسب المال. وقد يستعمل فيما يظن الإنسان أنه يجلب منفعة له ثم استجلب به مضرة. وقد ورد في القرآن في فعل الصالحات والسيئات فمما استعمل في الصالحات قوله: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً. ومما استعمل في السيئات قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ «٢» .

ومنه قوله- تعالى- هنا وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ

أى. ومن يرتكب إثما من الآثام التي نهى الله عن ارتكابها، فإن ضرر ذلك يعود على نفسه وحدها. وما دام الأمر كذلك فعلى العاقل أن يبتعد عن الذنوب والآثام حتى ينجو من العقاب.

وقوله وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً

تذييل قصد به التحذير من سوء عاقبة اكتساب الآثام.

أى: وكان الله عليما بما في قلوب الناس وبما يقولون ويفعلون، حكيما في كل ما قدر وقضى.


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٥٦٣ بتصرف يسير.
(٢) مفردات القرآن للراغب الأصفهاني ص ٣٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>