فقال: وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً:
أى: أن الشيطان قال مؤكدا ومقسما لأتخذن من عبادك الذين هم من ذرية آدم، نصيبا مفروضا. أى: لأجعلن لي منهم مقدارا معينا قليلا كان أو كثيرا، وهم الذين سأصرفهم عن الطريق الحق، وسأجعلهم خاضعين لوسوستى ومنقادين لأمري. وقوله لَأَتَّخِذَنَّ من الاتخاذ وهو أخذ الشيء على جهة الاختصاص. وقوله مَفْرُوضاً من الفرض بمعنى القطع. وأطلق هنا على العدد المعين من الناس لاقتطاعه عن سواه من صالحي المؤمنين. فكل من أطاع الشيطان من بنى آدم فهو نصيبه المقطوع منهم له.
وجملة وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً معطوفة على الجملة المتقدمة عليها. أى:
أن هؤلاء المشركين ما يطيعون في عبادتهم لغير الله إلا شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله- تعالى- له، وبين هذا القول الشنيع الصادر منه عند اللعن.
أما الأمر الثاني والثالث اللذان توعد الشيطان بهما بنى آدم فقد حكاهما- سبحانه- في قوله وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ أى: ولأضلنهم عن طريق الحق فأجعلهم يسيرون في طريق الباطل إلى نهايته، ولأمنينهم الأمانى الفارغة. بأن أجعلهم يجرون وراء الأحلام الكاذبة، والأوهام الفاسدة. والأطماع التي تسيطر على نفوسهم وعقولهم، وبذلك يكونون من جندي، ويخضعون لأمري.
أما الأمر الرابع الذي توعد الشيطان به بنى آدم فقد حكاه- سبحانه- في قوله وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ.
قال الراغب: البتك يقارب البت لكن البتك يستعمل في قطع الأعضاء والشعر. يقال بتك شعره وأذنه- أى قطعها أو شقها- ومنه سيف باتك أى قاطع للأعضاء. وأما البت فيقال في قطع الحبل «١» .
وكانوا في الجاهلية إذا ولدت الناقة خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرا قطعوا أذنها أو شقوها شقا واسعا علامة على أنهم حرموا على أنفسهم الانتفاع بها وجعلوها للطواغيت وسموها بحيرة أى المشوقة الأذن.
والمراد: أنه يأمرهم بعبادة غير الله وبالأمانى الباطلة. وبتقطيع آذان الأنعام تقربا للطواغيت والأوثان فيسارعون إلى إجابته، وينقادون لوسوسته.
(١) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص ٢٦.