للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الأمر الخامس الذي توعد الشيطان به بنى آدم فقد حكاه- سبحانه- في قوله وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ.

قال ابن كثير: أى دين الله. وهذا كقوله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ على قول من جعل ذلك أمرا أى: لا تبدلوا فطرة الله، ودعوا الناس على فطرتهم. كما ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء. هل تجدون بها من جدعاء؟» وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله- تعالى-: «إنى خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم» «١» .

وقال بعضهم: المراد بتغيير خلق الله تغيير الصور التي خلق الله عليها مخلوقاته، كفقأ عين فحل الإبل في بعض الأحوال، وقطع الآذان، والوشم، وما يشبه ذلك مما كانوا يفعلونه في جاهليتهم اتباعا للشيطان.

وقد رجح ابن جرير أن المراد بتغيير خلق الله: تغيير دين الله فقال ما ملخصه: «وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك قول من قال: معناه: ولآمرنهم فليغيرن خلق الله، قال: دين الله. وذلك لدلالة الآية الأخرى على أن ذلك معناه وهي قوله: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ. وإذا كان ذلك معناه، دخل في ذلك فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهى عن وشمة، وغير ذلك من المعاصي «٢» .

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد حكى للناس ما قاله الشيطان بلسان حاله أو مقاله حتى يحذروه ويتخذوه عدوا لهم، لينالوا رضا الله ومثوبته.

وقد أكد- سبحانه- هذا المعنى بقوله: وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً.

أى: ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله، بأن يتبع الشيطان ويواليه ويسير خلف


(١) تفسير ابن جرير ج ٥ ص ٢٨٥. [.....]
(٢) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>