للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سار ابن كثير في تفسيره على أن الخطاب لجميع الطوائف فقال: «والمعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال. وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال إنه على الحق سمع قوله بمجرد ذلك حتى يكون له من الله برهان ولهذا قال: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ.

أى ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني. بل العبرة بطاعة الله- سبحانه- واتباع ما شرعه على ألسنة رسله ولهذا قال بعده مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ. كقوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «١» .

ومنهم من يرى أن الخطاب في قوله لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ للمسلمين.

وقد أشار إلى ذلك صاحب الكشاف بقوله: في لَيْسَ ضمير وعد الله أى: ليس ينال ما وعد الله من الثواب بِأَمانِيِّكُمْ وَلا بأمانى أهل الكتاب. والخطاب للمسلمين، لأنه لا يتمنى وعد الله إلا من آمن به. وكذلك ذكر أهل الكتاب معهم لمشاركتهم لهم في الإيمان بوعد الله «٢» .

ومنهم من يرى أن الخطاب للمشركين. وقد رجح ذلك ابن جرير فقال ما ملخصه: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك ما قاله مجاهد من أنه عنى بقوله لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ. مشركي قريش.

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب. لأن المسلمين لم يجر لأمانيهم ذكر فيما مضى من الآي قبل قوله لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وإنما جرى ذكر أمانى نصيب الشيطان المفروض في قوله قبل ذلك.

وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ وقوله يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ فإلحاق معنى قوله- تعالى- لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ بما ذكره قبل أحق وأولى من ادعاء تأويل فيه لا دالة عليه من ظاهر التنزيل، ولا من أثر الرسول صلى الله عليه وسلم «٣» .

ومع وجاهة هذا الرأى الذي سار عليه ابن جرير، إلا أنا نؤثر عليه ما ذهب إليه ابن كثير من أن الآية الكريمة تخاطب الناس جميعا سواء أكانوا مؤمنين أم مشركين أم من أهل الكتاب. لأن الآية الكريمة تضع لهم جميعا قاعدة عامة وهي أن الوصول إلى ثواب الله ورضاه لا ينال بالأمانى والأحلام وإنما ينال بالإيمان والعمل الصالح.

وقوله مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ جملة مكونة من شرط وجزاء. والمراد بالسوء ما يشمل الكفر والمعاصي. وقيل: المراد بالسوء هنا الكفر فقط.


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٥٧.
(٢، ٣) تفسير ابن جرير ج ٥ ص ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>