قال الآلوسى قوله- تعالى-: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ أى: عاجلا أو آجلا. فقد أخرج الترمذي وغيره عن أبى بكر الصديق قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية. فقال رسول الله: يا أبا بكر ألا أقرئك آية نزلت على؟ فقلت: بلى يا رسول الله. فأقرأنيها فلا أعلم إلا أنى وجدت انفصاما في ظهري.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. مالك يا أبا بكر؟ قلت بأبى أنت وأمى يا رسول الله وأينا لم يعمل السوء. وإنا لمجزيون بكل سوء عملناه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنت وأصحابك يا أبا بكر المؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله- تعالى- ليس عليكم ذنوب. وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزون يوم القيامة.
وأخرج مسلم وغيره عن أبى هريرة قال: لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين وبلغت منهم ما شاء الله- تعالى- فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سددوا وقاربوا فإن كل ما أصاب المسلم كفارة حتى الشوكة يشاكها والنكبة ينكبها.
قال الآلوسى: والأحاديث بهذا المعنى أكثر من أن تحصى. ولهذا أجمع عامة العلماء على أن الأمراض والأسقام ومصائب الدنيا وهمومها- وإن قلت مشقتها- يكفر الله- تعالى- بها الخطيئات، والأكثرون على أنها- أيضا ترفع بها الدرجات، وهو الصحيح المعول عليه. فقد صح في غير ما طريق «ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة»«١» .
وقوله- تعالى- وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً تذييل قصد به تأكيد ما قبله من أن ثواب الله لا ينال إلا بالإيمان والعمل الصالح، وأن عقابه سيحل بمن يعمل السوء.
أى: أن من يعمل السوء سيجازى به، ولا يجد هذا المرتكب للسوء أحدا سوى الله- سبحانه- يلي أمره ويحامى عنه، ولا نصيرا ينصره ويحاول إنجاءه من عقاب الله- تعالى- ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة المؤمنين فقال: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً.
أى: ومن يعمل من الأعمال الصالحات سواء أكان العامل ذكرا أم أنثى ما دام متحليا بصفة الإيمان، فأولئك العاملون بالأعمال الصالحة يدخلون الجنة جزاء عملهم ولا ينقصون شيئا من ثواب أعمالهم، ولو كان هذا الشيء نقيرا وهو النقطة التي تكون في ظهر النواة ويضرب بها المثل في القلة والحقارة.
ومَنْ في قوله مِنَ الصَّالِحاتِ للتبعيض أى: بعض الأعمال الصالحات لأن الإنسان