للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستفهام في قوله: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ للإنكار والتعجيب من شأنهم، والتهكم من سوء تصورهم.

وقوله: فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً رد على تصوراتهم الباطلة، ومداركهم الفاسدة، وتثبيت للمؤمنين حتى يزدادوا قوة على قوتهم.

أى: أن هؤلاء المنافقين قد تركوا ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين فما الذي دفعهم إلى هذا الانتكاس؟ أيطلبون بلهفة ورغبة العزة والقوة والمنعة من عند الكافرين؟ إذا كان هذا حالهم فقد خابوا وخسروا، فإن العزة والقوة والمنعة والنصرة له وحده. ومن اعتز بغير الله هان وذل.

قال ابن كثير: والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جانب الله- تعالى- والإقبال على عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين، الذين لهم النصرة في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. ويناسب هنا أن نذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أبى ريحانة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من انتسب إلى تسعة آباء كفار، يريد بهم عزا وفخرا فهو عاشرهم في النار» «١» .

وقال الإمام الرازي: وأصل العزة في اللغة الشدة. ومنه قيل للأرض الصلبة الشديدة:

عزاز. ويقال: قد استعز المرض على المريض إذا اشتد ظهره به. وشاة عزوز التي يشتد حلبها ويصعب. والعزة: القوة منقولة من الشدة لتقارب معنييهما. والعزيز القوى المنيع بخلاف الذليل.

ثم قال: إذا عرفت هذا فنقول: إن المنافقين كانوا يطلبون العزة والقوة بسبب اتصالهم باليهود. ثم إنه- تعالى- أبطل عليهم هذا الرأى بقوله: فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً.

فإن قيل: هذا كالمناقض لقوله: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ؟ قلنا القدرة الكاملة لله. وكل من سواه فبإقداره صار قادرا. وبإعزازه صار عزيزا فالعزة الحاصلة للرسول عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين لم تحصل إلا من الله- تعالى- فكأن الأمر عند التحقيق أن العزة جميعا لله «٢» .

قالوا: وقد دلت الآية الكريمة على وجوب موالاة المؤمنين، والنهى عن موالاة الكافرين.

قال- تعالى- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ «٣» .


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٦٦. [.....]
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١ ص ٨٠.
(٣) سورة المجادلة الآية ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>