للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم نهى- سبحانه- المسلمين عن مخالطة الكافرين بآيات الله والمستهزئين بها فقال: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.

أى: وقد نزل الله عليكم- أيها المؤمنون- في كتابه المحكم أنكم إذا سمعتم آيات الله يكفر بها الكافرون، ويستهزئ بها المستهزئون، فعليكم في هذه الأحوال أن تتركوا مجالسهم، وأن تعرضوا عنهم حتى يتكلموا في حديث آخر سوى الكفر بآيات الله والاستهزاء بها.

قال صاحب الكشاف: والمراد بالمنزل عليهم في الكتاب: هو ما نزل عليهم في مكة من قوله- تعالى-: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ «١» . وذلك أن المشركين كانوا يخوضون في ذكر القرآن في مجالسهم فيستهزءون به، فنهى- سبحانه- المسلمين عن القعود معهم ماداموا خائضين فيه.

وكان أحبار اليهود بالمدينة يفعلون نحو فعل المشركين، فنهوا أن يقعدوا معهم كما نهوا- قبل ذلك- عن مجالسة المشركين بمكة «٢» .

وأن في قوله أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ تفسيرية، لأن نَزَّلَ تضمن معنى القول دون حروفه.

وجعلها بعضهم مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر أى أنه إذا سمعتم. وقدره بعضهم ضمير المخاطبين أى أنكم إذا سمعتم، وخبرهما جملة الشرط والجزاء.

وقوله يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها جملتان في موضع الحال من الآيات.

وأضاف- سبحانه- الآيات إليه، لتهويل أمرها، والتشنيع على من كفر أو استهزأ بها.

والضمير في قوله مَعَهُمْ يعود إلى الكافرين والمستهزئين المدلول عليهم بقوله: يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فكأنه قيل: لا تقعدوا- أيها المؤمنون- مع الكافرين بآيات الله والمستهزئين بها.

والضمير في قوله غَيْرِهِ يعود إلى تحدثهم بالكفر والاستهزاء أى: حتى يخوضوا في حديث سوى حديثهم المتعلق بالكفر بآيات الله والاستهزاء بها.

وقوله إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ تعليل للنهى عن القعود معهم.

أى: - أيها المؤمنون- إن استمعتم إلى الكفار والمنافقين وهم يعلنون الكفر بآيات الله- تعالى- والاستهزاء بها، كنتم معهم في الاستهانة بآيات الله وشركاء لهم في آثامهم، لأن


(١) سورة الأنعام الآية ٦٨.
(٢) تفسير الكشاف ج ١ ص ٥٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>