للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الراضي بالكفر بآيات الله وبالاستهزاء بها. يكون بعيدا عن حقيقة الإيمان، ومستحقا للعقوبة من الله- تعالى- قال صاحب الكشاف، فإن قلت: لم يكونون مثلهم بالمجالسة إليهم في وقت الخوض؟

قلت: لأنهم إذا لم ينكروا عليهم كانوا راضين. والراضي بالكفر كافر فإن قلت: فهلا كان المسلمون بمكة- حين كانوا يجالسون الخائضين من المشركين- منافقين؟ قلت: لأنهم كانوا لا ينكرون لعجزهم. وهؤلاء لم ينكروا مع قدرتهم فكان ترك الإنكار لرضاهم «١» .

وقال القرطبي: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يتجنبهم فقد رضى فعلهم، والرضا بالكفر كفر. قال الله- تعالى- إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ.

فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء. وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. وقد روى عن عمر بن عبد العزيز أنه أخذ قوما يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم. فحمل عليه الأدب وقرأ عليه هذه الآية إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ أى أن الرضا بالمعصية معصية. ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة العاصي حتى يهلكوا جميعا. وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة «٢» » .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بالوعيد الشديد للكافرين والمنافقين فقال: إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً لأن هذين الفريقين كما اجتمعوا في الدنيا على الكفر بآيات الله والاستهزاء بها والتواصي بالشرور والآثام، فسيجمعهم الله جميعا في جهنم يوم القيامة، بسبب ما قدمت أيديهم من جرائم ومنكرات.

فأنت ترى أن الآية الكريمة تنهى المؤمنين عن مجالسة الكافرين بآيات الله والمستهزئين بها، لأن أول الشر سماع الشر، ولأن أول مراتب ضعف الإيمان أن تفتر حماسة المؤمن في الدفاع عن الحق الذي آمن به.

ومن علامات المؤمن الصادق أنه متى سمع استهزاء بتعاليم دينه فعليه إما أن ينبرى للدفاع عن هذه التعاليم بشجاعة وحماسة وقولة تدمغ الباطل وأهله وتفضح كل معتد أثيم.. وإما أن يقاطع المجالس التي لا يحترم فيها دين الله. أما السكوت عن ذلك باسم التغاضى أو التسامح أو المرونة. أو بغير ذلك من الأسماء، فهذا أول مراتب النفاق الذي يؤدى إلى خزي الدنيا وعذاب الآخرة.


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٥٨٨
(٢) تفسير القرطبي ج ٥ ص ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>