للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطابق للواقع «١» والاستفهام في قوله أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وفي قوله أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ للتقرير أى: لقد كنا معكم واستحوذنا عليكم ومنعناكم من المؤمنين.

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بتبشير المؤمنين وإنذار الكافرين فقال: فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.

والفاء هنا للإفصاح عن كلام مقدر. أى: إذا كان هذا هو حال المنافقين والكافرين في الدنيا، فأبشركم- أيها المؤمنون- بأن الله سيحكم بينكم وبينهم يوم القيامة بحكمه العادل، فيثيبكم بالثواب الجزيل لأنكم أولياؤه، ويعاقبهم بالعقاب الأليم لأنهم أعداؤه، وأبشركم- أيضا- بأنه- سبحانه- لن يجعل لأعدائكم الكافرين سلطانا عليكم ما دمتم متمسكين بدينكم، ومعتصمين بحبل الله جميعا بدون فرقة أو تنازع أو فشل، وآخذين بالأسباب وبسنن الله الكونية التي تعينكم على الوصول إلى غاياتكم الشريفة، ومقاصدكم السليمة.

فالآية الكريمة تنفى أن يكون هناك سبيل للكافرين على المؤمنين في الدنيا والآخرة.

ومنهم من يرى أن المراد بنفي السبيل هنا في الآخرة.

وقد أشار الإمام ابن كثير إلى هذين الاتجاهين بقوله- تعالى- وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا أى: يوم القيامة كما روى عن على بن أبى طالب وغيره.

ويحتمل أن يكون المعنى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا أى: في الدنيا، بأن يسلطوا عليهم تسليط استيلاء واستئصال بالكلية، وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، كما قال- تعالى- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ «٢» .

والذي نراه أولى أن تكون الجملة الكريمة عامة في نفى أن يكون هناك سلطان للكافرين على المؤمنين ما دام المؤمنون متبعين اتباعا تاما تعاليم دينهم وآخذين في الأسباب التي تجعل النصر حليفا لهم. وإذا كان الكافرون في بعض الأزمان والأحوال قد صارت لهم الغلبة على المسلمين، فذلك قد يكون نوعا من الابتلاء أو التأديب أو التمحيص. حتى يعود المسلمون إلى دينهم عودة كاملة تجعلهم يستجيبون لتوجيهاته. ويذعنون لأحكامه، ويطبقون أوامره ونواهيه.

وهنا يحالفهم نصر الله الذي لا يقهر ووعده الذي لا يتخلف.

ثم تمضى السورة الكريمة بعد هذا الوعد المطمئن لقلوب المؤمنين، في رسم صورة أخرى


(١) حاشية الكشاف ج ١ ص ٥٧٨.
(٢) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٦٧ بتصريف وتلخيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>