للمنافقين مبالغة في الكشف عن قبائحهم وفي التحذير من شرورهم فتقول: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ، وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى، يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا. مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا.
وقوله: يُخادِعُونَ
من الخداع وهو أن يظهر الشخص من الأفعال ما يخفى أمره، ويستر حقيقته.
قال الراغب: الخداع: إنزال الغير عما هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه ...
ويقال: طريق خادع وخيدع. أى: مضل كأنه يخدع سالكه. وفي الحديث: (بين يدي الساعة سنون خداعة) أى: محتالة لتلونها بالجدب مرة وبالخصب مرة «١» .
وقوله: خادِعُهُمْ
اسم فاعل من خادعته فخذعته إذا غلبته وكنت أخدع منه.
والمعنى: إن المنافقين لسوء طواياهم، وخبث نواياهم يُخادِعُونَ اللَّهَ
أى: يفعلون ما يفعل المخادع بأن يظهروا الإيمان ويبطنوا الكفر وَهُوَ خادِعُهُمْ
أى: وهو فاعل بهم ما يفعله الذي يغلب غيره في الخداع، حيث تركهم في الدنيا معصومى الدماء والأموال.
وأعدلهم في الآخرة الدرك الأسفل من النار.
ومنهم من جعل المراد بمخادعتهم لله مخادعتهم لرسوله وللمؤمنين فيكون الكلام على حذف مضاف. أى: إن المنافقين يخادعون رسول الله والمؤمنين وهو- سبحانه- خادعهم فهو كقوله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ وعبر- سبحانه- عن خداعهم بصيغة تدل على المشاركة والمغالبة وهي قوله يُخادِعُونَ
، للإشعار بأنهم قد ينجحون في خداعهم وقد لا ينجحون.
وعبر- سبحانه- عن خداعه لهم بصيغة اسم الفاعل، للدلالة على الغلب والقهر. لأن الله- تعالى- كاشف أمرهم، ومزيل مغبة خداعهم، ومحاسبهم حسابا عسيرا على ما ارتكبوه من جنايات وسيئات.
وقوله: وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى
بيان للون آخر من قبائحهم.
وكُسالى
جمع كسلان وهو الذي يعتريه الفتور في أفعاله لكراهيته لها أو عدم اكتراثه بها.
وهي حال لازمة من ضمير قاموا أى: إن هؤلاء المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة، قاموا متثاقلين
(١) مفردات القرآن ص ١٤٤