للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متباطئين لا نشاط عندهم لأدائها، ولا رغبة لهم في القيام بها، لأنهم لا يعتقدون ثوابا في فعلها، ولا عقابا على تركها.

وقوله يُراؤُنَ النَّاسَ

حال من الضمير المستكن في كسالى. أو جملة مستأنفة جوابا لمن يسأل: وما قصدهم من القيام للصلاة مع هذا التثاقل والتكاسل عنها؟ فكان الجواب: يراءون الناس. أى: يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة والخداع.

قال ابن كثير: وقوله: وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى

هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها. وهي الصلاة. إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها، لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها، ولا خشية، ولا يعقلون معناها. وهذه صفة ظواهرهم.

ثم ذكر- سبحانه- صفة بواطنهم الفاسدة فقال: يُراؤُنَ النَّاسَ

أى: لا إخلاص لهم ولا معاملة مع الله، بل إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التي لا يرون فيها غالبا كصلاة العشاء في وقت العتمة وصلاة الصبح في وقت الغلس كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا» وروى الحافظ أبو ليلى عن عبد الله قال: من أحسن الصلاة حيث يراه الناس، وأساءها حيث يخلو، فتلك استهانة. استهان بها ربه- عز وجل- «١» .

وقوله: وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا

معطوف على يُراؤُنَ

أى: أن من صفات المنافقين أنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا متباطئين متقاعسين يقصدون الرياء والسمعة بصلاتهم، ولا يذكرون الله في صلاتهم إلا ذكرا قليلا أو وقتا قليلا لأنهم لا يخشعون ولا يدرون ما يقولون، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون.

روى الإمام مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تلك صلاة المنافق- تلك صلاة المنافق. يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقر أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا» .

قال ابن كثير: وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر المدني عن العلاء بن عبد الرحمن. وقال الترمذي: حسن صحيح.

ومنهم من فسر قوله وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا

أى: ولا يصلون إلا قليلا. لأنهم إنما يصلون رياء فإذا خلوا بأنفسهم لم يصلوا. والأول أولى لأنه أعم وأشمل.


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٦٨- بتصرف وتلخيص

<<  <  ج: ص:  >  >>