للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب. ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم. فأى المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه» .

وإننا لهذا نقول: إن النفاق في داخل الإسلام مراتب. وأعلاها أولئك الذين يتملقون الحكام، وينحدرون إلى درجة وضعهم في مقام النبيين. ومنهم من يذهب به فرط نفاقه، فيفضل بعض عملهم على عمل النبيين، وهؤلاء نتردد في الحكم بأنهم مسلمون. وقريب منهم الذين يتأولون النصوص من غير حجة في التأويل. ويعبثون بظواهرها القاطعة لهوى الحكام «١» .

ثم بعد هذا الوعيد الشديد للمنافقين فتح- سبحانه- باب التوبة ليدخل فيه كل من يريد أن يقلع عن ذنوبه من المنافقين وغيرهم، حتى ينجو من عقابه- سبحانه- فقال: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ، وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ، فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً.

أى: هذا الجزاء الذي بيناه هو جزاء المنافقين. لكن الذين تابوا منهم عن النفاق، وأصلحوا ما أفسدوا من أقوالهم وأفعالهم وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ أى تمسكوا بكتابه، وتركوا موالاة الكافرين وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ بحيث لا يريدون بطاعتهم سوى رضاه ومثوبته، فَأُولئِكَ الذين فعلوا ذلك مَعَ الْمُؤْمِنِينَ الصادقين الذين لم يصدر منهم نفاق. أى: معهم في فضيلة الإيمان الصادق، وما يترتب على ذلك من أجر جزيل. وثواب عظيم. «وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما» لا يقادر قدره، ولا يكتنه كنهه.

فقوله: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا استثناء من المنافقين في قوله إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.

قال الفخر الرازي ما ملخصه: اشترط- سبحانه- في إزالة العقاب عن المنافقين أمورا أربعة:

أولها: التوبة.

وثانيها: إصلاح العمل. فالتوبة عبارة عن ترك القبيح، وإصلاح العمل عبارة عن الإقدام على الحسن.

وثالثها: الاعتصام بالله. وهو أن يكون غرضه من التوبة وإصلاح العمل طلب مرضاة الله.


(١) تفسير الآية الكريمة لفضيلة أستاذنا الجليل الشيخ محمد أبو زهرة مجلة لواء الإسلام السنة ١٧ العدد ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>