للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورابعها: الإخلاص: بأن يكون طلب مرضاة الله خالصا وأن لا يمتزج به غرض آخر «١» .

والإشارة في قوله فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ تعود إلى الاسم الموصول وهو الَّذِينَ باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة.

والمقصود بالمعية في قوله «مع المؤمنين» التشريف والتكريم بصحبة الأخيار والتعبير «بسوف» لتأكيد وقوع الأمر المبشر به في المستقبل، وليس لمجرد التسويف الزمانى.

أى: وسوف يؤت الله المؤمنين ما وعدهم به إيتاء لا شك في حصوله ووقوعه. ونكر- سبحانه- الأجر ووصفه بالعظم، للتنويه بشأنه. ولإفادة أنه أجر لا يكتنه كنهه.

ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر رحمته بعباده، وفضله عليهم فقال- تعالى-:

ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً.

وما استفهامية. والمراد بالاستفهام هنا النفي والإنكار على أبلغ وجه وآكده والجملة الكريمة استئنافية مسوقة لبيان أن مدار تعذيبهم وجودا وعدما إنما هو كفرهم ومعاصيهم لا لشيء آخر.

والمعنى: أى منفعة له- سبحانه- في عذابكم وعقوبتكم إن شكرتم نعمه، وأديتم حقها، وآمنتم به حق الإيمان؟ لا شك أنه- سبحانه- لا يفعل بكم شيئا من العذاب ما دام الشكر والإيمان واقعين منكم فقد اقتضت حكمته- سبحانه- أن لا يعذب إلا من يستحق العذاب، بل إنه- سبحانه- قد يتجاوز عن كثير من ذنوب عباده رحمة منه وفضلا.

وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى بقوله: قوله ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ أيتشفى به من الغيظ؟ أم يدرك به الثأر؟ أم يستجلب به نفعا؟ أم يستدفع به ضررا؟ كما هو شأن الملوك.

وهو الغنى المتعالي الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك. وإنما هو أمر اقتضته الحكمة أن يعاقب المسيء. فإن قمتم بشكر نعمته وآمنتم به فقد أبعدتم عن أنفسكم استحقاق العذاب «٢» .

وما في محل نصب ب يَفْعَلُ لأن الاستفهام له الصدارة. والباء في قوله «بعذابكم» سببية متعلقة بيفعل. والاستفهام هنا معناه النفي كما سبق أن أشرنا. وعبر عن النفي بالاستفهام للإشارة إلى أنه- سبحانه- رتب الجزاء على العمل وأنه يجب على كل عاقل أن يدرك أن عدالة الله قد اقتضت أنه- سبحانه- لا يضيع أجر من أحسن عملا، وأنه لا يعذب إلا من يستحق العذاب، ويعفو عن كثير من السيئات بفضله ومنته.


(١) تفسير الفخر الرازي ج ١١ ص ٨٨.
(٢) تفسير الكشاف ج ١ ص ٥٨١- بتصرف يسير-.

<<  <  ج: ص:  >  >>