وقوله: إِنْ شَكَرْتُمْ جوابه محذوف دل عليه ما تقدم. أى: إن شكرتم وآمنتم فما الذي يفعله بعذابكم؟
وقدم الشكر على الإيمان، لأن الشكر سبب في الإيمان، إذ الإنسان عند ما يرى نعم الله، ويتفكر فيها ويقدرها حق قدرها، يسوقه ذلك إلى الإيمان الحق، فالشكر يؤدى إلى الإيمان والإيمان متى رسخ واستقر في القلب ارتفع بصاحبه إلى أسمى ألوان الشكر وأعظمها. فعطف الإيمان على الشكر من باب عطف المسبب على السبب.
وقوله: وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً تذييل قصد به تأكيد ما سبق من الله- سبحانه- لا يعذب عباده الشاكرين المؤمنين.
أى: وكان الله شاكرا لعباده على طاعتهم. أى مثيبهم ومجازيهم الجزاء الحسن على طاعتهم، عليما بجميع أقوالهم وأفعالهم، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه. فالمراد بالشكر منه- سبحانه- مجازاة عباده بالثواب الجزيل على طاعتهم له ووقوفهم عند أمره ونهيه.
وسمى- سبحانه- ثواب الطائعين شكرا منه، للتنويه بشأن الطاعة، وللتشريف للمطيع، ولتعليم عباده أن يشكروا للمحسنين إحسانهم. فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، ورحم الله الإمام ابن القيم حيث يقول:
وهو الشكور. فلن يضيع سعيهم ... لكن يضاعفه بلا حسبان
ما للعباد عليه حق واجب ... هو أوجب الأجر العظيم الشان
كلا ولا عمل لديه بضائع ... إن كان بالإخلاص والإحسان
إن عذبوا فبعدله، أو نعموا ... فبفضله، والحمد للرحمن
وإلى هنا نرى أن الآيات الكريمة التي بدأت بقوله- تعالى-: بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ قد كشفت عن حقيقة النفاق والمنافقين في المجتمع الإسلامى، وأماطت اللثام عن طباعهم المعوجة، وأخلاقهم القبيحة، ومسالكهم الخبيثة، وهممهم الساقطة، ومصيرهم الأليم. وذلك لكي يحذرهم المؤمنون، ويتنبهوا إلى مكرهم وسوء صنيعهم. ثم نرى الآيات الكريمة خلال ذلك تفتح باب التوبة للتائبين من المنافقين وغيرهم وتعدهم إن تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله بالأجر العظيم. وأخيرا تجيء تلك اللفتة العجيبة المؤثرة العميقة. أخيرا بعد ذكر العقاب المفزع الذي توعد الله به المنافقين، وبعد ذكر الأجر العظيم الذي وعد الله به المؤمنين. أخيرا بعد كل ذلك تجيء الآية الكريمة التي تنفى بأبلغ أسلوب أن يكون هناك عذاب من الله لعباده الشاكرين المؤمنين، لأنه- سبحانه- وهو الغنى الحميد، قد اقتضت حكمته وعدالته أن لا يعذب إلا من يستحق العذاب، وأنه- سبحانه- سيجازى الشاكرين المؤمنين