للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معناه: النطق به في إعلان، ونشره بين الناس، وإذاعته فيهم فهو يقابل السر والإخفاء.

والقول السوء: هو الذي يسوء من يقال فيه ويؤذيه في شرفه، أو عرضه أو غير ذلك مما يلحق به شرا.

والمعنى: لا يحب الله- تعالى- لأحد من عباده أن يجهر بالأقوال السيئة أو الأفعال السيئة، إلا من وقع عليه الظلم فإنه يجوز له أن يجهر بالسوء من القول في الحدود التي تمكنه من رفع الظلم عنه دون أن يتجاوز ذلك، كأن يجهر الخصم بما ارتكبه خصمه في حقه من مآثم. وكأن يذكر المظلوم الظالم بالقول السيئ في المجالس العامة والخاصة متحريا البعد عن الكذب والبهتان.

قال القرطبي ما ملخصه: والذي يقتضيه ظاهر الآية أن للمظلوم أن ينتصر من ظالمه- ولكن مع اقتصاد- إن كان مؤمنا، فأما أن يقابل القذف بالقذف ونحوه فلا، وإن كان كافرا فأرسل لسانك وادع بما شئت من الهلكة وبكل دعاء كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف» .

وإن كان مجاهرا بالظلم دعا عليه الداعي جهرا، ولم يكن لهذا المجاهر عرض محترم، ولا بدن محترم ولا مال محترم. وقد روى أبو داود عن عائشة أنها قالت: سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه- أى على السارق- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسبخى عنه» أى: لا تخففى عنه العقوبة بدعائك عليه. وروى أبو داود- أيضا- عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن رسول صلى الله عليه وسلم قال:

«لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته» أى: المماطلة من القادر على دفع الحقوق لأصحابها ظلم يبيح للناس أن يذكروه بالسوء «١» .

وقول السوء بدون مقتض يبغضه الله سواء أكان هذا القول سرا أم جهرا إلا أنه- سبحانه- خص الجهر بالذكر لأنه أشد فحشا، ولأنه أكثر جلبا للعداوة بين الناس، وأشد تأثيرا في إشاعة الجرائم في المجتمع، فإن كثرة سماع الناس للكلام السيئ. وللقول الماجن، يغرى الكثير منهم بترديد ما سمعوه، وبحكايته في أول الأمر بشيء من الحياء، ثم لا يلبث هذا الحياء أن يزول بسبب إلف الناس للكثير من الألفاظ النابية، والأقوال السيئة.

وأنت تقرأ القرآن فتراه في عشرات الآيات يأمر أتباعه بالمداومة على النطق بالكلام الطيب حتى تنتشر بينهم المحبة والمودة. ومن ذلك قوله- تعالى-: وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً «٢» .


(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٣.
(٢) سورة الأسراء الآية ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>