والخلاصة أن الإسلام يحب لأتباعه أن يلتزموا النطق بالكلمة الطيبة، ويكره لهم أن يجهروا بالسوء من القول إلا في حالة وقوع ظلم عليهم، ففي هذه الحالة يجوز لهم أن يجهروا بالسوء من القول حتى يرتدع الظالم عن ظلمه.
والاستثناء في قوله إِلَّا مَنْ ظُلِمَ استثناء منقطع، فتكون إلا بمعنى لكن.
أى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول لكن من ظلم له أن يجهر بالسوء لكي يدفع ما وقع عليه من ظلم.
ويحتمل أن يكون متصلا فيكون المعنى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول من أحد إلا ممن ظلم فإنه يجوز له أن يجهر بالسوء من القول لرفع الظلم عنه فيكون الاستثناء من الفاعل المحذوف وهو- من أحد- أو: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا جهر من ظلم فإنه ليس بخارج عن محبة الله لأن دفع الظلم واجب. فيكون الكلام على تقدير مضاف محذوف.
وقوله: وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً تذييل قصد به التحذير من التعدي في الجهر المأذون فيه، ووعد للمظلوم بأنه- تعالى- يسمع شكواه ودعاءه، ويعلم ظلم ظالمه.
أى: وكان الله سميعا لكل ما يسر به المسرون أو يجهر به المجاهرون، عليما بما يدور في النفوس من بواعث وهواجس، وسيجازى كل إنسان بأقواله وأعماله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
ثم أكد- سبحانه- هذا المعنى، وحض على العفو والصفح وفعل الخير فقال: إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً.
أى: إن تظهروا- أيها الناس- خَيْراً من طاعة وبر وقول حسن، وفعل حسن، أو تُخْفُوهُ أى، تخفوا هذا الخير بأن تعملوه سرا أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ بأن تصفحوا عمن أساء إليكم، يكافئكم الله- تعالى- على ذلك مكافأة حسنة، ويتجاوز عن خطاياكم، فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً أى: كثير العفو عن العصاة مع كمال قدرته على مؤاخذتهم ومعاقبتهم فاقتدوا بهذه الصفات الحميدة لتنالوا محبة الله ورضاه.
فالآية الكريمة تدعو الناس إلى الإكثار من فعل الخير سواء أكان سرا أم جهرا، كما تدعو إلى العفو عن المسيئين إليهم.
قال ابن كثير: وفي الحديث الصحيح: «ما نقص مال من صدقة. وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا. وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»«١» .