للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الفخر الرازي: اعلم أن معاقد الخير على كثرتها محصورة في أمرين: صدق مع الحق وخلق مع الخلق. والذي يتعلق بالخلق محصور في قسمين: إيصال نفع إليهم ودفع ضرر عنهم. فقوله. إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ إشارة إلى إيصال النفع إليهم. وقوله: أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ إشارة إلى دفع الضرر عنهم. فدخل في هاتين الكلمتين جميع أنواع الخير وأعمال البر «١» .

ثم بين- سبحانه- رذائل أهل الكتاب وأباطيلهم وسوء مصيرهم بعد حديثه القريب عن المنافقين.. فقال- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ بأن يجحدوا وحدانية الله، وينكروا صدق رسله- عليهم الصلاة والسلام- وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ أى يريدون أن يفرقوا بين الإيمان بالله- تعالى- وبين الإيمان برسله، بأن يعلنوا إيمانهم بوجود الله- تعالى- وأنه خالق هذا الكون، إلا أنهم يكفرون برسله أو ببعضهم.

قال القرطبي: نص- سبحانه- على أن التفريق بين الإيمان بالله والإيمان برسله كفر، وإنما كان كفرا لأن الله سبحانه- فرض على الناس أن يعبدوه بما شرع لهم على ألسنة الرسل، فإذا جحدوا رسالة الرسل فقد ردوا عليهم شرائعهم ولم يقبلوها منهم، فكانوا ممتنعين من التزام العبودية التي أمروا بالتزامها، فكان كجحد الصانع- سبحانه- وجحد الصانع كفر لما فيه من ترك التزام الطاعة والعبودية. وكذلك التفريق بين رسله في الإيمان بهم كفر «٢» .

وقوله- تعالى- وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ حكاية لما نطقوا به من كفر وجحود. أى. ويقولون على سبيل التبجح والعناد: نؤمن ببعض الرسل ونكفر ببعضهم كما قال اليهود نؤمن بموسى والتوراة ونكفر بما وراء ذلك. وكما قال النصارى. نؤمن بعيسى والإنجيل ونكفر بما سوى ذلك.

وقوله وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أى ويريدون بقولهم هذا أن يتخذوا بين الإيمان بالبعض والكفر بالبعض طريقا يسلكونه، ودينا يتبعونه مع أنه لا واسطة بينهما قطعا، لأن الرسل جميعا قد بعثهم الله- تعالى- لدعوة الناس إلى توحيده، وإخلاص العبادة له ونشر مكارم الأخلاق في الأرض. فمن كفر بواحد منهم كفر بهم جميعا.

وقوله أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً إخبار عن سوء مصيرهم، وشناعة عاقبتهم.

أى: أولئك الموصوفون بتلك الصفات القبيحة هم الكافرون الكاملون في الكفر،


(١) تفسير الفخر الرازي ج ١ ص ٩٠.
(٢) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>