وجعلوا ينظرون إلى ما فوق رءوسهم خشية أن يسقط عليهم. كما قال- تعالى-: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ.. الآية «١» .
وقوله- تعالى-: وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً أى: وقلنا لهم على لسان أنبيائهم ادخلوا باب القرية التي أمرناكم بدخولها ساجدين لله، أى: ادخلوها متواضعين خاضعين لله، شاكرين له فضله وكرمه، ولكنهم خالفوا ما أمرهم الله مخالفة تامة.
والمراد بالقرية التي أمرهم الله بدخول بابها ساجدين: قيل: هي بيت المقدس وقيل:
إيلياء، وقيل: أريحاء. وقد أبهمها الله- تعالى- لأنه لا يتعلق بذكرها مقصد أو غرض. ولم يرد في السنة الصحيحة بيان لها.
وقد تحدث القرآن عن قصة أمرهم بدخول هذه القرية ساجدين بصورة أكثر تفصيلا في سورتي البقرة والأعراف، فقال- تعالى- في سورة البقرة:
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً، وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً، وَقُولُوا حِطَّةٌ، نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ٥٨ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ. فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ٥٩.
وقوله: وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ أى: وقلنا لهم كذلك لا تتجاوزوا الحدود التي أمركم الله بالتزامها في يوم السبت والتي منها: ألا تصطادوا في هذا اليوم، ولكنهم خالفوا أمر الله، وتحايلوا على استحلال محارمه.
وقصة اعتداء اليهود على محارم الله في يوم السبت قد جاء ذكرها في كثير من آيات القرآن الكريم. ومن ذلك قوله- تعالى- في سورة البقرة: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ٦٥ فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ٦٦.
وقال- تعالى- في سورة الأعراف: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ، إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ، إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ: كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ. الآية ١٦٣.
وقوله وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً أى: وأخذنا منهم عهدا مؤكدا كل التأكيد، وموثقا كل التوثيق، بأن يعملوا بما أمرهم الله به، ويتركوا ما نهاهم عنه. ولكنهم نقضوا عهودهم، وكفروا بآيات الله، ونبذوها وراء ظهورهم.
(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٧٣.