للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأضاف- سبحانه- الأخذ إلى ذاته الكريمة تقوية لأمر هذا الميثاق، وتنويها بشأنه. وإشعارا بوجوب الوفاء به لأن ما أخذه الله على عباده من مواثيق من واجبهم أن يفوا بها إذ هو- سبحانه- وحده سيجازيهم على نكثهم ونقضهم لعهودهم.

ووصف- سبحانه- الميثاق الذي أخذه عليهم بالغلظ أى: بالشدة والقوة لأنه كان قويا في معناه وفي موضوعه وفي كل ما اشتمل عليه من أوامر ونواه وأحكام، ولأن نفوسهم كانت منغمسة في الجحود والعناد فكان من المناسب لها تأكيد العهد وتوثيقه لعلها ترعوى عن ضلالها وفسوقها عن أمر الله.

ثم عدد- سبحانه- ألوانا أخرى من جرائمهم التي عاقبهم عليها عقابا شديدا فقال- تعالى-: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ، وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ، وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ، بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا.

والفاء في قوله فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ للتفريع على ما تقدم من قوله وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً والباء للسببية، وما هنا مزيدة لتأكيد نقضهم للميثاق. والجار والمجرور متعلق بمحذوف لتذهب نفس السامع في تقديره كل مذهب في التهويل والتشنيع على هؤلاء الناقضين لعهودهم مع الله- تعالى- فيكون المعنى:

فبسبب نقض هؤلاء اليهود لعهودهم وبسبب كفرهم بآياتنا، وبسبب قتلهم لأنبيائنا، وبسبب أقوالهم الكاذبة. بسبب كل ذلك فعلنا بهم ما فعلنا من أنواع العقوبات الشديدة، وأنزلنا بهم ما أنزلنا من ذل ومهانة وصغار ومسخ.... إلخ.

ويرى بعضهم أن الجار والمجرور متعلق بقوله- تعالى- بعد ذلك حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ...

أى: فبسبب نقضهم للميثاق. وكفرهم بآيات الله حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم.

قال الفخر الرازي: واعلم أن القول الأول أولى ويدل عليه وجهان:

أحدهما: أن الكلام طويل جدا من قوله: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ إلى قوله: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ.

الثاني: أن تلك الجنايات المذكورة بعد قوله- تعالى- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ عظيمة جدا. لأن كفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء، وإنكارهم للتكليف بقولهم: قلوبنا غلف، أعظم الذنوب، وذكر الذنوب العظيمة، إنما يليق أن يفرع عليه العقوبة العظيمة، وتحريم

<<  <  ج: ص:  >  >>