للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير واحد من السلف: إنه قال لهم. أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني وهو رفيقي في الجنة ... ؟ «١» .

والذي يجب اعتقاده بنص القرآن الكريم أن عيسى- عليه السلام- لم يقتل ولم يصلب، وإنما رفعه الله إليه، ونجاه من مكر أعدائه، أما الذي قتل وصلب فهو شخص سواه.

ثم قال- تعالى-: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ. أى: وإن الذين اختلفوا في شأن عيسى من أهل الكتاب لفي شك دائم من حقيقة أمره. أى: في حيرة وتردد، ليس عندهم علم ثابت قطعى في شأنه، أو في شأن قتله، ولكنهم لا يتبعون فيما يقولونه عنه إلا الظن الذي لا تثبت به حجة. ولا يقوم عليه برهان.

ولقد اختلف أهل الكتاب في شأن عيسى اختلافا كبيرا. فمنهم من زعم أنه ابن الله.

وادعى أن في عيسى عنصرا إلهيا مع العنصر الإنسانى. وأن الذي ولدته مريم هو العنصر الإنسانى. ثم أفاض عليه بعد ذلك العنصر الإلهى.

ومنهم من قال: إن مريم ولدت العنصرين معا.

ولقد اختلفوا في أمر قتله. فقال بعض اليهود: إنه كان كاذبا فقتلناه قتلا حقيقيا، وتردد آخرون فقالوا: إن كان المقتول عيسى فأين صاحبنا. وإن كان المقتول صاحبنا فأين عيسى؟

وقال آخرون: الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا.

إلى غير ذلك من خلافاتهم التي لا تنتهي حول حقيقة عيسى وحول مسألة قتله وصلبه «٢» .

فالمراد بالموصول في قوله: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا ما يعم اليهود والنصارى جميعا. والضمير في قوله (فيه) يعود إلى عيسى- عليه السلام-.

وقوله مِنْهُ جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة الشك.

قال الآلوسى: وأصل الشك أن يستعمل في تساوى الطرفين، وقد يستعمل في لازم معناه وهو التردد مطلقا، وإن لم يترجح أحد طرفيه وهو المراد هنا. ولذا أكده بنفي العلم الشامل لذلك أيضا بقوله- سبحانه-: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ «٣» .


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص
(٢) إذا أردت المزيد من معرفة هذه المسألة فراجع تفسير القاسمى ج ٥ ص ١٦٢٩ إلى ص ١٧١٦. وتفسير المنار ج ٦ من ص ٢٣ إلى ٥٩
(٣) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ١١

<<  <  ج: ص:  >  >>