للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك، وإنما شبه لهم فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك. ثم إن الله- تعالى- رفع إليه عيسى، وإنه باق حي، وإنه سينزل قبل يوم القيامة.

ثم عقد ابن كثير فصلا عنونه بقوله: ذكر الأحاديث الواردة في نزول عيسى بن مريم إلى الأرض من السماء في آخر الزمان قبل يوم القيامة وأنه يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له.

ثم ساق ابن كثير جملة من الأحاديث في هذا المعنى منها ما رواه الشيخان عن أبى هريرة قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، وحتى تكون السجدة خيرا له من الدنيا وما فيها» .

ثم يقول أبو هريرة: اقرؤا إن شئتم: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ «١» .

أما الاتجاه الثاني: فيرى أصحابه أن الضمير في قوله قَبْلَ مَوْتِهِ يعود إلى الكتابي المدلول عليه بقوله: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ. وعليه يكون المعنى:

وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موته أى قبل موت هذا الكتابي، لأنه عند ساعة الاحتضار يتجلى له الحق، ويتبين له صحة ما كان ينكره ويجحده فيؤمن بعيسى- عليه السلام- ويشهد بأنه عبد الله ورسوله، وأن الله واحد لا شريك له، ولكن هذا الإيمان لا ينفعه، لأنه جاء في وقت الغرغرة، وهو وقت لا ينفع فيه الإيمان، لانقطاع التكليف فيه.

قالوا: ويؤيد هذا التأويل قراءة أبى: إلا ليؤمنن به قبل موتهم- بضم النون وبميم الجمع-.

وقد صدر صاحب الكشاف كلامه بذكر هذا التأويل فقال ما ملخصه: والمعنى: وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى. وبأنه عبد الله ورسوله. يعنى: إذا عاين قبل أن تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه.

فإن قلت: ما فائدة الإخبار بإيمانهم بعيسى قبل موتهم؟ قلت فائدته الوعيد، وليكون علمهم بأنهم لا بد لهم من الإيمان به عن قريب عند المعاينة، وأن ذلك لا ينفعهم، بعثا لهم وتنبيها على معالجة الإيمان به في وقت الانتفاع به، وليكون إلزاما للحجة لهم.

وقيل: الضميران لعيسى بمعنى: وإن منهم أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون في زمان نزوله «٢» .


(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٧٧- بتصرف يسير-.
(٢) تفسير الكشاف ج ١ ص ٥٨٩

<<  <  ج: ص:  >  >>