وقوله: وَصَدُّوا من الصد بمعنى المنع والانصراف عن الشيء.
قال الراغب: والصد قد يكون انصرافا عن الشيء وامتناعا نحو: «يصدون عنك صدودا» وقد يكون صرفا ومنعا نحو: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ.
والمعنى: إن الذين كفروا بالحق الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أى:
وأعرضوا عن الطريق الذي أمر الله بسلوكه وهو طريق الإسلام ولم يكتفوا بذلك بل منعوا غيرهم أيضا عن سلوكه.
إنهم بفعلهم هذا قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً أى: قد ضلوا- بسبب كفرهم وصدهم أنفسهم والناس عن الحق- ضلالا بلغ الغاية في الشدة والشناعة.
ثم أكد- سبحانه- هذا المعنى بقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بما يجب الإيمان به وَظَلَمُوا أنفسهم بإيرادها موارد التهلكة، وظلموا غيرهم بأن حببوا إليه الفسوق والعصيان وكرهوا إليه الطاعة والإيمان.
إن هؤلاء الذين جمعوا بين الكفر والظلم لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً. إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً.
أى: لم يكن الله ليغفر لهم، لأنه- سبحانه- لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ولم يكن- سبحانه- ليهديهم طريقا من طرق الخير، لكنه- سبحانه- يهديهم إلى طريق تؤدى بهم إلى جهنم خالدين فيها أبدا، بسبب إيثارهم الغي على الرشد، والضلالة على الهداية، وبسبب فساد استعدادهم، وسوء اختيارهم.
والتعبير بالهداية في جانب طريق النار من باب التهكم بهم.
وقوله خالِدِينَ فِيها حال مقدرة من الضمير المنصوب في لِيَهْدِيَهُمْ، لأن المراد بالهداية هدايتهم في الدنيا إلى طريق جهنم. أى: ما يؤدى بهم إلى الدخول فيها.
وقوله أَبَداً منصوب على الظرفية، وهو مؤكد للخلود في النار رافع لاحتمال أن يراد بالخلود المكث الطويل.