وقوله: وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً تذييل قصد به تحقير شأنهم، وبيان أنه- سبحانه- لا يعبأ بهم.
والمراد: وكان ذلك- أى: انتفاء غفران ذنوبهم، وانتفاء هدايتهم إلى طريق الخير، وقذفهم في جهنم وبئس المهاد- كان كل ذلك على الله يسيرا. أى: هينا سهلا لأنه- سبحانه- لا يستعصى على قدرته شيء.
ثم وجه- سبحانه- نداء إلى الناس جميعا يأمرهم فيه بالإيمان وينهاهم عن الكفر فقال:
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ.
أى: يا أيها المكلفون من الناس جميعا، قد جاءكم الرسول المشهود له بالصدق في رسالته، بالهدى ودين الحق من ربكم، فآمنوا به وصدقوه وأطيعوه، يكن إيمانكم خيرا لكم في الدنيا والآخرة.
فالخطاب في الآية الكريمة للناس أجمعين، سواء أكان عربيا أم غير عربي أبيض أم أسود، بعيدا أم قريبا ... لأن رسالته صلى الله عليه وسلم عامة وشاملة للناس جميعا.
والمراد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم فأل فيه للعهد: وإيراده بعنوان الرسالة لتأكيد وجوب طاعته.
وقوله: بِالْحَقِّ متعلق بمحذوف على أنه حال أيضا من الرسول. أى: جاءكم الرسول ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل.
وقوله: مِنْ رَبِّكُمْ متعلق بمحذوف على أنه حال أيضا من الحق. أو متعلق بجاء. أى:
جاءكم من عند الله- تعالى- وليس متقولا.
ويرى بعضهم أن قوله خَيْراً خبر لكان المحذوفة مع اسمها، أى: فآمنوا به يكن إيمانكم خيرا لكم.
ويرى آخرون أنه صفة لمصدر محذوف. أى: فآمنوا إيمانا خيرا لكم. وهي صفة مؤكدة على حد أمس الدابر لا يعود، لأن الإيمان لا يكون إلا خيرا.
فأنت ترى أن هذه الجملة الكريمة قد حضت الناس على الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لم يجئهم بشيء باطل وإنما جاءهم بالحق الثابت الموافق لفطرة البشر أجمعين، ولأنه لم يجئهم بما جاءهم به من عند نفسه وإنما جاءهم بما جاءهم به من عند الله- تعالى-. ولأنه لم يجئهم بما يفضى بهم إلى الشرور والآثام، وإنما جاءهم بما يوصلهم إلى السعادة في الدنيا وإلى الفوز برضا الله في الآخرة.
تلك هي عاقبة المؤمنين، أما عاقبة الكافرين فقد حذر- سبحانه- منها بقوله: وَإِنْ