للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دينه فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم في كل ما قالوه سواء أكان حقا أم باطلا، أم ضلالا أم رشادا، ولهذا قال- تعالى- اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ.

وفي الصحيح عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله» «١» .

وقوله: وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ من باب عطف الخاص على العام، للاهتمام بالنهى عن الافتراء الشنيع الذي افتروه على الله.

أى: لا تصفوه- سبحانه- بما يستحيل اتصافه به من الحلول والاتحاد واتخاذ الصاحبة والولد، ولا تقولوا عليه- سبحانه- إلا القول الحق الثابت القائم على الدليل المقنع، والبرهان الواضح.

وعدى- سبحانه- قولهم بحرف على، لتضمنه معنى الافتراء والكذب، فقد قالوا قولا وزعموا أنه من دينهم، مع أن الأديان السماوية بريئة مما زعموه وافتروه.

ثم بين- سبحانه- القول الفصل في شأن عيسى فقال. إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ.

أى: إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله. أرسله- سبحانه- لهداية الناس إلى الحق، وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ أى: أن عيسى مكون ومخلوق بكلمة من الله وهي كلمة (كن) من غير واسطة أب ولا نطفة. وهذه الكلمة ألقاها- سبحانه- إلى مريم، أى: أوصلها إليها بنفخ جبريل فيها فكان عيسى بإذن الله بشرا سويا.

وقوله: وَرُوحٌ مِنْهُ أى: ونفخة منه، لأن عيسى حدث بسبب نفخة جبريل في درع مريم فكان عيسى بإذن الله. فنسب إلى أنه روح من الله، لأنه بأمره كان. وسمى النفخ روحا لأنه ريح تخرج من الروح. قال- تعالى-: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ «٢» .

وقيل المراد بقوله: وَرُوحٌ مِنْهُ أى: وذو روح من أمر الله، لأنه- سبحانه- خلقه كما يخلق سائر الأرواح.

وقيل: الروح هنا بمعنى الرحمة. كما في قوله- تعالى- وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ أى: برحمة منه. وصدر- سبحانه الجملة الكريمة بأداة القصر (إنما) للتنبيه على أن عيسى- عليه السلام- ليس إلا رسولا أرسله الله لهداية الناس إلى الحق.


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٩٠٥
(٢) سورة الأنبياء الآية ٩١

<<  <  ج: ص:  >  >>