للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكره- سبحانه- بلقبه وباسمه وببنوته لمريم، للإشارة إلى أنه إنسان كسائر الناس، وبشر كسائر البشر، فهو مولود خرج من رحم أنثى كما يخرج الأولاد من أمهاتهم. وإذا كان لم يخرج من صلب أب، فيكفى أنه قد خرج من رحم أم، وكفى بذلك دليلا على بشريته.

قال بعض العلماء ما ملخصه: وقوله: وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ أى: خلقه بكلمة منه وهي (كن) كما خلق آدم. وكان عيسى بهذا كلمة الله لأنه خلقه بها، فقد خلق من غير بذر يبذر في رحم أمه، فما كان تكوينه نماء لبذر وجد، وللأسباب التي تجرى بين الناس، بل كان السبب هو إرادة الله وحده وكلمته (كن) وبذلك سمى كلمة الله.

وتعلق النصارى بأن كون عيسى كلمة الله دليل على ألوهيته- تعلق باطل- فما كانت الكلمة من الله إلها يعبد. وإنما سمى بذلك، لأنه نشأ بكلمة لا بمنى من الرجل يمنى....

وقوله: وَرُوحٌ مِنْهُ أى أنه- سبحانه- أنشأه بروح مرسل منه وهو جبريل الأمين. وقد يقال: إنه نشأ بروح منه- سبحانه- أى: أنه أفاض بروحه في جسمه كما أفاض بها على كل إنسان كما قال- تعالى-: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ. ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ «١» .

والرأى الأول أولى. وعلى ذلك يكون معنى قوله: وَرُوحٌ مِنْهُ أى: أنه نشأ بنفخ الله الروح فيه من غير توسيط سلالة بشرية، ونطفة تتشكل إنسانا، وذلك بالملك الذي أرسله وهو جبريل ...

وسمى الله- تعالى- عيسى روحا باعتباره نشأ من الروح مباشرة، ولأنه غلبت عليه الروحانية..

وبهذا يزول الوهم الذي سيطر على عقول من غالوا في شأن عيسى فنحلوه ما ليس له، وما ليس من شأنه، إذ جعلوه إلها، أو ابن إله ... «٢» .

وقوله الْمَسِيحُ مبتدأ، وعِيسَى عطف بيان له أو بدل منه. وقوله ابْنُ مَرْيَمَ صفة له وقوله رَسُولُ اللَّهِ خبر للمبتدأ. وقوله وَكَلِمَتُهُ معطوف على ما قبله وهو رسول الله. أو قوله أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ جملة حالية من الضمير المجرور في كَلِمَتُهُ بتقدير قد، والعامل فيها معنى الإضافة. والتقدير: وكلمته ملقيا إياها إلى مريم.


(١) سورة السجدة الآيات من ٧- ٩
(٢) تفسير الآية الكريمة لفضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة، بمجلة لواء الإسلام السنة ١٨ العدد ٩

<<  <  ج: ص:  >  >>