للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله وَرُوحٌ مِنْهُ معطوف على كَلِمَتُهُ والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لروح.

ومن لابتداء الغاية مجازا وليست تبعيضية، أى أن الروح كائن من عند الله- تعالى- ونافخ بإذنه.

وبعد أن بين- سبحانه- القول الحق في شأن عيسى، دعا أهل الكتاب إلى الإيمان به وبجميع رسله. ونهاهم عن التمسك بالضلال والوهم فقال- تعالى- فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ. انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ: إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ، سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا.

والفاء في قوله: فَآمِنُوا للافصاح عن جواب شرط مقدر.

أى: إذا كان ذلك هو الحق في شأن عيسى، فآمنوا بالله إيمانا حقا بأن تفردوه بالألوهية والعبادة، وآمنوا برسله جميعا بدون تفريق بينهم، ولا تغالوا في أحد منهم بأن تخرجوه عن طبيعته وعن وظيفته..

وقوله: وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ نهى لهم عن النطق بالكلام بالباطل.

أى: ولا تقولوا الآلهة ثلاثة، أو المعبودات ثلاثة. فثلاثة خبر لمبتدأ محذوف وعبر- سبحانه- بقوله: وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ بدل قوله- مثلا-: ولا تؤمنن بثلاثة لأن أمر الثلاثة قول يقولونه، فإن سألتهم عن معناه قالوا تارة معناه: الأب والإبن والروح القدس، أى أنهم ثلاثة متفرقون. وتارة يقولون معناه: أن الأقانيم «١» ثلاثة والذات واحدة.. إلى غير ذلك من الأقوال التي ما أنزل الله بها من سلطان.

قال صاحب الكشاف: والذي يدل عليه القرآن التصريح منهم بأن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة. وأن المسيح ولد الله من مريم. ألا ترى إلى قوله- تعالى-: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ.

والمشهور المستفيض عنهم أنهم يقولون: في المسيح لاهوتية وناسوتية من جهة الأب والأم ... ) «٢» .

هذا، وقد أفاض بعض العلماء في الرد على مزاعم أهل الكتاب في عقائدهم «٣» ..

وقوله: انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ أمر لهم بسلوك الطريق الحق، والإقلاع عن الضلالات والأوهام.


(١) الأقانيم جمع الأفنوم- بضم الهمزة وسكون القاف- بمعنى الأصل أو الصف.
(٢) تفسير الكشاف ج ١ ص ٥٩٤
(٣) راجع تفسير الآلوسى ج ٦ من ص ٢٦ إلى ٣٦، وتفسير القاسمى ج ٥ ص ١٧٦٥

<<  <  ج: ص:  >  >>