أى: انتهوا عما أنتم فيه من ضلال يا معشر أهل الكتاب، واتركوا القول بالتثليث، يكن انتهاؤكم خيرا لكم، بعبادتكم لله وحده تكونون قد خرجتم من ظلمات الشرك إلى نور الوحدانية.
وقوله: إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ إثبات لوحدانية الله- تعالى- بأقوى طريق. أى: إن المعبود بحق ليس إلا واحد، وهو الله- تعالى- ذو الجلال والإكرام، الخالق لهذا الكون، والمدبر لأمره.
وقوله: سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ تنزيه له- جل وعلا- عن صفات المخلوقين، وتوبيخ لمن وصفه بصفات لا تليق به.
وسبحان منصوب بفعل مقدر من لفظه: أى: أسبحه تسبيحا وأنزهه تنزيها عن أن يكون له ولد، لأن الأبوة والبنوة من صفات المخلوقين، وهو- سبحانه- منزه عن صفات المخلوقين، قال- تعالى-: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
وقوله لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جملة مستأنفة مسوقة لتعليل التنزيه أى أنه- سبحانه- مالك لجميع الموجودات علويها وسفليها، ولا يخرج عن ملكه منها شيء.
قال- تعالى- إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً ومن كان شأنه كذلك تنزه عن أن يلد أو يولد أو يكون له شريك في ملكه.
وقوله: وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا تذييل قصد به بيان سعة قدرته- سبحانه وهيمنته على هذا الكون. والوكيل: هو الحافظ والمدبر لأمر غيره.
أى: وكفى بالله وكيلا يكل إليه الخلق كلهم أمورهم، فهو الغنى عنهم وهم الفقراء إليه.
ومفعول كفى محذوف للعموم. أى: كفى كل أحد وكالة الله وحفظه وتدبيره، فتوكلوا عليه وحده، ولا تتوكلوا على من تزعمونه ابنا له.
ثم بين- سبحانه- أن المسيح عيسى- عليه السلام- عبد من عباد الله- تعالى-، وأنه لن يستنكف أبدا عن عبادة الله والإذعان لأمره فقال: نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ.
وأصل سْتَنْكِفَ
- يقول القرطبي: نكف، فالياء والسين والتاء زوائد. يقال: نكفت من الشيء واستنكفت منه وأنكفته أى: نزهته عما يستنكف منه. ومنه الحديث: سئل- رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبحان الله فقال: «إنكاف الله من كل سوء» .
يعنى: تنزيهه وتقديسه عن الأنداد والأولاد.