للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولهم: يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها هو مضمون ما طلبوه من موسى- عليه السلام- وهو في معنى مقول قول محذوف والتقدير: أى قل لربك يخرج لنا.

وجاء التعبير بالفعل يُخْرِجْ مجزوما- مع أن مقتضى الظاهر أن يقال: «أن يخرج- للإيماء إلى أنهم واثقون بأنه إن دعا ربه أجابه، حتى لكأن إخراج ما تنبت الأرض متوقف على مجرد دعاء موسى ربه، وأنه لو لم يدع لهم، لكان شحيحا عليهم بما فيه نفعهم «١» .

والجملة الكريمة: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ من مقول موسى- عليه السلام- لهم، وفيها توبيخ شديد لهم على سوء اختيارهم، وضعف عقولهم. لإيثارهم الأدنى وهو البقل وما عطف عليه، على ما هو خير منه وهو المن والسلوى.

قال ابن جرير عند تفسيره للآية الكريمة: «أى قال لهم موسى: أتاخذون الذي هو أخس خطرا وقيمة وقدرا من العيش، بدلا بالذي هو خير منه خطرا وقيمة وقدرا، وذلك كان استبدالهم، وأصل الاستبدال: هو ترك شيء لآخر غيره مكان المتروك، ومعنى قوله: أَدْنى أخس واضع وأصغر قدرا وخطرا، وأصله من قولهم: هذا رجل دنى بين الدناءة، وإنه ليدنى في الأمور- بغير همز- إذا كان يتتبع خسيسها. ثم قال: ولا شك أن من استبدل بالمن والسلوى:

البقول والقثاء والعدس والبصل والثوم، فقد استبدل الوضيع من العيش بالرفيع منه» «٢» .

ثم أضاف موسى- عليه السلام- إلى توبيخهم السابق على بطرهم وجحودهم توبيخا آخر فقال لهم: اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ أى إذا كان هذا هو مرغوبكم، فاتركوا هذا المكان، وانزلوا إلى مصر من الأمصار، لكي تجدوا ما سألتمونى إياه من البقل والثوم وأشباههما، لأن ما اخترتموه لا يوجد في المكان الذي حللتم به، وإنما يوجد في الأمصار والقرى.

وقوله تعالى: مِصْراً.

قال ابن كثير: «هكذا هو منون مصروف مكتوب بالألف في المصاحف الأثمة العثمانية وهو قراءة الجمهور بالصرف» «٣» .

وقال ابن جرير: «فأما القراءة فإنها بالألف والتنوين اهْبِطُوا مِصْراً وهي القراءة التي


(١) تفسير «التحرير والتنوير» ج ١ ص ٥٠٠ الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور طبعة عيسى البابى الحلبي سنة ١٩٦٤.
(٢) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٣١٢.
(٣) تفسير ابن كثير ج ١ ص ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>