للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبرهان: هو محمد صلى الله عليه وسلم وإنما سماه برهانا، لأن حرفته إقامة البرهان على تحقيق الحق وإبطال الباطل. والنور المبين هو القرآن الكريم. وسماه نورا، لأنه سبب لوقوع نور الإيمان في القلب «١» ...

ومِنْ في قوله: مِنْ رَبِّكُمْ لابتداء الغاية مجازا، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لبرهان. أى: قد جاءكم برهان كائن من ربكم.

وفي وصف البرهان بأنه من الله- تعالى-، تقوية وتشريف لمعنى البرهان، لأنه ما دام قد جاء من عند من له الخلق والأمر- سبحانه- فلا بد أن يكون برهانا صادقا مقنعا لمن يريد أن يتبع الحق.

وقال- سبحانه- وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ بإسناد الإنزال إلى ذاته- تعالى-، للإشارة إلى أنه هو مصدر الإنزال.

وقال إِلَيْكُمْ مع أن المنزل عليه هو النبي صلى الله عليه وسلم للإشعار بكمال اللطف بهم، وللمبالغة في إزالة أعذارهم.

ووصف الشرائع والمواعظ والآداب والحكم التي اشتمل عليها القرآن الكريم بالنور المبين أى الواضح الظاهر، لأن هذه الشرائع والآداب. لا يخفى صدقها واشتمالها على الحق إلا على من انطمست بصيرته، وفسدت مداركه.

ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة المستجيبين للحق، السالكين الطريق المستقيم، فقال:

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً.

أى: أن الله- تعالى- قد أرسل إلى الناس رسوله وأنزل عليهم بواسطته قرآنه، فمنهم من آمن واهتدى، ومنهم من كفر وغوى، فأما الذين آمنوا بالله- تعالى- حق الإيمان، واعتصموا به- سبحانه- مما يضرهم ويؤذيهم، فلم يستجيروا إلا به، ولم يخضعوا إلا له، ولم يعتمدوا إلا عليه.

هؤلاء الذين فعلوا ذلك سيدخلهم الله- تعالى في رحمة منه وفضل أى سيدخلهم في جنته ورضوانه، ويضفى عليهم من فضله وإحسانه بما يشرح صدورهم، ويبهج نفوسهم، ويصلح بالهم.

وقوله وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً أى: ويوفقهم في دنياهم إلى سلوك الطريق الحق وهو


(١) تفسير الفخر الرازي ج ١١ ص ١١٩- طبعة عبد الرحمن محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>