ضرب العبد غير جائز فأولى أن يكون ضرب الحر غير جائز.
وذكر وصف المقربين، لأنهم إذا كانوا لا يستنكفون فأولى بذلك غيرهم «١» .
ثم هدد- سبحانه- كل من يمتنع عن عبادته والخضوع له فقال: مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً.
أى: ومن يأنف من عبادة الله ويمتنع عنها، ويأبى الخضوع لطاعة الله ويستكبر عن كل ذلك، فسيجد يوم القيامة ما يستحقه من عقاب بسبب استنكافه واستكباره، فإن مرد العباد جميعا إليه- سبحانه- وسيجازى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
فالضمير في قوله سَيَحْشُرُهُمْ
يعود إلى المستنكفين والمستكبرين وإلى غيرهم من المؤمنين المطيعين بدليل أن الحشر عام للمؤمنين والكافرين، وبدليل التفصيل المفرع على هذا الحشر في قوله- تعالى- بعد ذلك:
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ أى: أن مرجع العباد جميعا إلى الله من استكبر عن عبادته وامتنع ومن لم يفعل ذلك بل آمن وأطاع.
فأما الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحات، ولم يستنكفوا ولم يستكبروا، فسيعطيهم- سبحانه- ثواب أعمالهم كاملة غير منقوصة، ويزيدهم على ذلك شيئا عظيما من الرضا والفضل ومضاعفة الأجر. وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا عن عبادة الله وطاعته فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً لا يحيط به الوصف وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا أى أحدا يدافع عنهم ويلي أمورهم، ولا يجدون كذلك «نصيرا» ينصرهم وينجيهم من عذاب الله وبأسه.
وبعد هذا الوعد والوعيد والتبشير والإنذار، والترغيب والترهيب، وجه- سبحانه- نداء عاما إلى الناس أمرهم فيه باتباع طريق الحق فقال- تعالى- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً.
والمراد بالبرهان هنا الدلائل والمعجزات الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه.
ويصح أن يكون المراد به النبي صلى الله عليه وسلم وسماه- سبحانه- بذلك بسبب ما أعطاه من البراهين القاطعة التي شهدت بصدقه صلى الله عليه وسلم، والمراد بالنور المبين: القرآن الكريم.
قال الفخر الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما أورد الحجة على جميع الفرق من المنافقين والكفار واليهود والنصارى، وأجاب عن جميع شبهاتهم عمم الخطاب. ودعا جميع الناس إلى الاعتراف برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ.
(١) تفسير الآية الكريمة لفضيلة الشيخ محمد أبو زهرة. مجلة لواء الإسلام العدد العاشر.