للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحرم الله- تعالى- على قائل ذلك- فيما ذكر لنا- دخولها حتى هلكوا في التيه وابتلاهم بالتيهان في الأرض أربعين سنة. ثم أهبط ذريتهم الشام، فأسكنهم الأرض المقدسة، وجعل هلاك الجبابرة على أيديهم مع «يوشع بن نون» بعد وفاة موسى بن عمران. فرأينا أن الله- تعالى- قد أخبر عنهم أنه كتب لهم الأرض المقدسة، ولم يخبرنا عنهم أنه ردهم إلى مصر بعد إخراجه إياهم منها، فيجوز لنا أن نقرأ اهبطوا مصر ونتأوله أنه ردهم إليها. قالوا: فإن احتج محتج بقوله تعالى: فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ. كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ؟ قيل لهم: فإن الله- تعالى- إنما أورثهم ذلك فملكهم إياها. ولم يردهم إليها وجعل مساكنهم الشام» اهـ «١» .

قال أبو حيان في البحر: (ولم يصرح أحد من المفسرين والمؤرخين أنهم هبطوا من التيه إلى مصر) اهـ «٢» .

ومع أن ابن جرير- رحمه الله- قد رد على من قال، إن المراد بالمصر مصر فرعون: استنادا إلى قراءة غير الجمهور، إلا أنه لم يرجح أحد الرأيين فقد قال: (والذي نقول به في ذلك، أنه لا دلالة في كتاب الله- تعالى- على الصواب من هذين التأويلين، ولا خبر به عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقطع مجيئه العذر، وأهل التأويل متنازعون تأويله، فأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن موسى سأل ربه أن يعطى قومه ما سألوه من نبات الأرض على ما بينه الله- تعالى- في كتابه وهم في الأرض تائهون فاستجاب الله لموسى دعاءه وأمره أن يهبط بمن معه من قومه قرارا من الأرض التي تنبت ما سأل لهم من ذلك، إذا صاروا إليه، وجائز أن يكون ذلك القرار مصر، وجائز أن يكون الشام ... » «٣» .

ومن هذا النص الذي نقلناه عن ابن جرير، نرى أنه لم يقطع برأى في المكان الذي أمر بنو إسرائيل بالهبوط فيه وأنه يرى أن الله- تعالى- قد استجاب لموسى- عليه السلام- دعاءه، وأن موسى وقومه قد هبطوا- فعلا- إلى قرار من الأرض التي تنبت البقول وأشباهها.

وقد عارض الإمام ابن كثير في تفسيره رأى ابن جرير فقال:

وهذا الذي قاله- أى ابن جرير- فيه نظر، والحق أن المراد مصر من الأمصار، كما روى عن ابن عباس وغيره والمعنى على ذلك، لأن موسى- عليه السلام- يقول لهم: هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز، بل هو كثير في أى بلد دخلتموها وجدتموه، فليس يساوى مع دناءته


(١) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٣١٤. [.....]
(٢) تفسير البحر المحيط لأبى حيان ج ١ ص ٢٣٤.
(٣) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٣١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>