للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذه، فبين له القرآن الكريم أن الأقرب إلى التقوى التامة أن يحسن معاملة عدوه، وأن لا يعتدى على حق من حقوقه.

قال صاحب الكشاف، قوله: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى نهاهم أولا أن تحملهم البغضاء على ترك العدل، ثم استأنف فصرح لهم بالأمر بالعدل تأكيدا وتشديدا، ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل وهو قوله أَقْرَبُ لِلتَّقْوى أى: العدل أقرب للتقوى، وأدخل في مناسبتها.

وفيه تنبيه على أن وجوب العدل مع الكفار الذين هم أعداء الله إذا كان بهذه الصفة من القوة فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه وأحباؤه» «١» .

ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.

أى: واتقوا الله أيها المؤمنون- في كل ما تأتون وما تذرون، وصونوا أنفسكم عمّا لا يرضيه، وافعلوا ما أمركم به، إن الله- تعالى- لا تخفى عليه خافية من أعمالكم، وسيجازيكم يوم القيامة بما تستحقونه على حسب أعمالكم فالجملة الكريمة تذييل قصد به التحذير من مخالفة أوامر الله، ومن انتهاك حرماته.

وبذلك نرى الآية الكريمة قد أمرت المؤمنين بالمداومة على طاعة الله في جميع الأوقات والأحوال، وبأداء الشهادات على وجهها بدون محاباة ولا ظلم، وبوجوب العدل في معاملة الأعداء والأصدقاء، وبمراقبة الله- تعالى- وخشيته في السر والعلانية.

قال الآلوسى: وقد تقدم نظير هذه الآية في سورة النساء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ «٢» - ولم يكتف بذلك لمزيد من الاهتمام بالعدل والمبالغة في إطفاء ثائرة الغيظ. وقيل: لاختلاف السبب، فإن الأولى نزلت في المشركين، وهذه في اليهود. وذكر بعض المحققين وجها لتقديم القسط هناك وتأخيره هنا، وهو أن آية النساء جيء بها في معرض الإقرار على نفسه ووالديه وأقاربه. بدأ فيها بالقسط الذي هو العدل من غير محاباة نفس، ولا والد ولا قرابة. والتي هنا جيء بها في معرض ترك العداوة فبدأ فيها بالقيام لله- تعالى- لأنه أردع للمؤمنين، ثم ثنى بالشهادة بالعدل فجيء في كل معرض بما يناسبه» «٣» .

ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة المؤمنين، وسوء عاقبة الكافرين فقال- تعالى- وَعَدَ اللَّهُ بفضله وإحسانه الَّذِينَ آمَنُوا إيمانا حقا وَعَمِلُوا الأعمال الصَّالِحاتِ التي نالوا بها رضا الله، وعدهم بأن لَهُمْ مَغْفِرَةٌ عظيمة ولهم أَجْرٌ عَظِيمٌ لا يعرف مقداره إلا


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦١٣
(٢) الآية ١٣٥ من سورة النساء.
(٣) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ٨٣

<<  <  ج: ص:  >  >>