عند إرسالهم لمعرفة أحوال سكان الأرض المقدسة: «لا تخبروا أحدا سواي عما ترونه» .
فلما دخل النقباء الأرض المقدسة، واطلعوا على أحوال سكانها. وجدوا منهم قوة عظيمة، وأجساما ضخمة.. فعاد النقباء إلى موسى وقالوا له- وهو في جماعة من بنى إسرائيل-: قد جئنا إلى الأرض التي بعثتنا إليها، فإذا هي في الحقيقة تدر لبنا وعسلا، وهذا شيء من ثمارها، غير أن الساكنين فيها أقوياء، ومدينتهم حصينة. وأخذ كل نقيب منهم ينهى سبطه عن القتال.
إلا اثنين منهم، فإنهما نصحا القوم بطاعة نبيهم موسى- عليه السلام- وبقتال الكنعانيين معه.
ولكن بنى إسرائيل عصوا أمر هذين النقيبين، وأطاعوا أمر بقية النقباء العشرة «وأصروا على عدم الجهاد، ورفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا: يا ليتنا متنا في مصر أو في هذه البرية.
وحاول موسى- عليه السلام- أن يصدهم عما تردوا فيه من جبن وعصيان وأن يحملهم على قتال الجبارين ولكنهم عموا وصموا.
وأوحى الله- تعالى- إلى موسى أن الأرض المقدسة محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض جزاء عصيانهم وجبنهم.
هذا هو ملخص هذه القصة كما وردت في كتب التفسير والتاريخ. وقد حشا بعض المفسرين كتبهم بأوصاف للجبارين- الذين ورد ذكرهم في الآيات الكريمة- لا تقبلها العقول السليمة، وليس لها أصل يعتمد عليه بل هي مما يستحى من ذكره كما قال ابن كثير «١» .
هذا، وقوله- تعالى-: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ كلام مستأنف ساقه الله- تعالى- لبيان بعض ما فعله بنو إسرائيل من رذائل بعد أخذ الميثاق عليهم، وتفصيل لكيفية نقضهم لهذا الميثاق.
وإِذْ ظرف للزمن الماضي بمعنى وقت. وهو مفعول به لفعل ملاحظ في الكلام، تقديره اذكر. وقد خوطب بهذا الفعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم بطريق قرينة الخطاب وصرفه عن أهل الكتاب، ليعدد عليهم ما سلف من بعضهم من جنايات.
أى: واذكر يا محمد لهؤلاء اليهود المعاصرين لك، قول موسى لآبائهم على سبيل النصح والإرشاد: يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم. أى: تذكروا إنعامه عليكم بالشكر والطاعة.
والمراد بذكر الوقت تذكر ما حدث فيه من وقائع وخطوب.
قال أبو السعود: وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت، دون ما وقع فيه من حوادث، - مع أنها
(١) من ذلك ما جاء في وصفهم من أن منهم عوج بن عنق الذي كان طوله ثلاثة آلاف ذراع. وأن سبعين رجلا من قوم موسى استظلوا في ظل واحد منهم. وقال الآلوسى بعد أن حكى ما قيل فيهم من صفات. وهي عندي حديث خرافة.